الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هل يرتوي الشاعر من نهر ظمي؟

بواسطة azzaman

هل يرتوي الشاعر من نهر ظمي؟

عبد العظيم محمد

عندما نتناول الشاعر الكبير عبد المنعم حمندي ونضعه امام مرآة البحث والتقصي نجد انفسنا امام قامة ابداعية مهمة عرف كيف يختار وحدة الموضوع ليحولها الى سمفونية مكتملة التكوين على الرغم من حجم الألم الذي يغلف التقسيمات والجمل اللحنية ، حتى يضعنا امام ملحمة شعرية تستحق التوقف عندها .. وتأملها برؤية فاحصة .

ففي مجموعته الشعرية الجديدة التي حملت عنوان ( نهر ظمي ) النهر العطشان وما اجمل هذه الغرابة عندما يكون النهر ( عطشانا ) هذه هي بلاغة الشاعر حمندي في تناوله اللغوي .. و ( نهر ظمي ) هي المجموعة الشعرية السابعة عشر لمبدعنا حمندي .. انها رحلة تنوعت بين الهم الوطني والذاتي وكذلك الأنساني

وكما يقول في قصيدته ( السائر في الظلام ) :

الناس غير الناس

مثل الذي يمشي بلا احساس

في واحة الخناس

هل استقي من اخضرار الأس

ما يخمد الوسواس ؟

هذا الظلام الغول

مقبرة سوداء

تبلع ما يجول

تقيء رعباً معتماً

عقارباً صفراء

في ليلةٍ ظلماء

فيها الأسى يطول

لقد وجدنا في رحلة الشاعر عبد المنعم ذلك الاسلوب الذي يعتمد على الصورة الناطقة في تصوير الوجع الذي لا يخلو من عاطفة مغلفة بحزن مبرر وخيال خصب يجعلنا في حالة عشق دائم لا يدعنا الفرار ، بل يرغمنا على الأستمرار في متابعة كل ما يخرج من يراعه الثر الذي اكد في جميع نتاجاته الأدبية الى قدرة متميزة في التناول والمعالجة الشعرية في فضاء ساحر وبليغ .. لم يشغله وجع الوطن فقط ، بل تناول صراخ اوجاع الوطن العربي وهو يحاكي ذلك الوجع الشامي ليقول في قصيدته ( ياشام قلبي معك ) :

عضت باهداب البراءة ذئبة عمياء

لا تدري بأن مزاغل الفجر الحزين

معميات بالشام

وبالشام زلازل لا تستكين

قد تصرخ الأوجاع في حلبٍ أهلتها

وما فلحت ضباع الليل

في غزو لها يبلى بآثام تجر وراءها

الحسرات من دمع وطين

هم ينحرون الشمس أضحية الزمان ..

رصد الشاعر عبد المنعم حمندي من خلال صور محلقة  وبلاغة لغوية اكثر جمالا ذلك الأيقاع المتناغم في لغة سلسة اعتمدها في صياغة قصائده رغم ما حملت من الهم الوطني الشيء الكثير .. فهو يتحرك في فضاء ابداعي شاسع .يعلن عن ايمانه المطلق بقضيته الوطنية المفعمة بانسانية كبيرة ، اضافة الى رصانة وخزين معرفي يفتح امامنا درابين الوعي ليشكل قيمة فكرية عالية المستوى

ففي قصيدته ( ما اضيق الأفق ؟ ) يقول :

بأي حزن أحضن الأشجار والغمام

وكيف أمضي مثقلا بالموتة الزؤام ؟

اتعبني المكوث والتحديق ففي مفاتن الأمل

ما اجمل الآمال حين تستدير

لمن قضى يفتت الصخر ولا يسطيع أن يطير

أعانق الشجر

تزجرني العواصف السود

لذا أحاور الأنهار والبحر

تسلبني فراشة حرية التحليق

أو حرية الكهان حين أستفيق

رؤى صوفية

يبرهن لنا المبدع عبد المنعم وبرؤى صوفية ذات بصيرة فلسفية باستمرار الى الأنتماء الصادق لثوابته الوطنية وإلى تلك الجمالية المبهرة في رسم ابعاد القصيدة لتتحول الى حكواتي يصغي له الجائع والمتخوم .. الظالم والمظلوم .. الضاحك والباكي فالوطن هو مقياس الفضيلة في عمق الشاعر حمندي لكونه يتمتع بحس مرهف ولغة موسيقية في اختياره للمفردة التي تشكل فيما بعد جمل لحنية لينطلق النغم الحزين في ادق الصور صدقا حتى اصبح عالمه الشعري يتوزع بين عمق الألم وبشاعة الجرح النازف دوما و لوطن يشكو وشعب يتطلع لغد مجهول .. ويحدثنا المبدع حمندي عن عطش البلاد من خلال قصيدته ( رماد ) فيقول :

عطش البلاد برافديها ، والنخيل غاضب

يتوسل الغيم اذا شح المطر

لا الغيث يطفىء نارها .. لا الريح لا هذا النهر

الماء رمل والندى شرر تقدد من حجر

شجر حزين

يستعير غمامتين من الفضاء

ويمشط المأساة من وجع وداء

يستذكر الحلم القديم

قد كان أمنية الرجاء ، ولا رجاء

ولم ينس شاعرنا الكبير اصدقائه الذين يشكلون لديه الشيء الكثير .. فقد اهدى بعض نصوصه الشعرية لقامات مبدعة تستحق ان تكون بين دفة ديوانه الجديد .. انه الوفاء الحقيقي لرفاق الدرب

ففي قصيدة يحدث صديقه الكاتب والروائي الكبير امجد توفيق في قصيدة ( السارد الفذ ) يقول فيها :

احفظ الأبجديات عن ظهر قلب

كما يحفظ البيت اسراره

أنت من أيقظ الوعي بي

كنت أخبر مني

تعلمت منك التأمل في المستريب

وبالصبح أطوي المساء

وأفتح باب التغاريد في العندليب

وأرنو إلى زبد البحر في موجه

قبل أن تستفيق الأماني

وقد استذكر حمندي من غادر الحياة ففي قصيدة

( سفر العاشق ) الى سامي مهدي يقول :

هل مات سامي

ما يزال ولم يمت

ولربما ضاقت به الأرضون

فاختار السماء

وهلاله ما زال يكبر في النجوم وحوله هذا البهاء

هل كان يغشى الضوء ؟

كنا نستنير بنوره

قمرا يطل على الورى كل مساء

وفي مرثيته ل ( عبد الستار ناصر ) يقول :

كان يشكو الزمان

ويرفو صداقاته بين آن وآن

ممسكا بالرؤى

مبحرا في عباب البيان

يتوارى ويرنو بشوق إلى أول الفجر

يترقب نبض الدقائق والذكريات

إن آهاته أغنيات

وفي قصيدة تحت جدارية فائق حسن يخاطب سعدي يوسف في قصيدة ( ارتفعنا معا ) فيقول :

تطير الحمامات في ساحة الطيران ارتفعنا معا

في سماء الحمائم

قلنا لسعف النخيل وللسنبل الرطب

هذا أوان الدموع التي تضحك الشمس فيها ، وهذا

أوان الرحيل الى المدن الفاضلة

وعن الزمن الاعمى ( الوجع الحقيقي ) وهي اخر قصيدة في الديوان ( صوت الريح ) يقول فيها :

زمن اعمى

جعل الظلم مرعى

وشريعة غاب

ابواب موصدة

من يفتح في هذا الليل الأبواب ؟

ما أقسى الناس على الناس

ما أقسى الليل

ان ديوان ( نهر ظمي ) الذي يقع في 136 صفحة من القطع المتوسط الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة يعد اضافة شعرية تحمل المتعة المشبعة بوجع القصيدة .. انه الوجع الذي يلامس تراث وحضارة المتلقي الذي يجد فيه المتنفس عندما يصغي الى الجمل اللحنية التي صاغها الشاعر بدراية فائقة لتشكل لديه العالم البلاغي الذي يبحث عنه لتعزز لديه صدق الأنتماء الذي غاب عنه ممن فقد البصر والبصيرة في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل .


مشاهدات 197
الكاتب عبد العظيم محمد
أضيف 2024/05/17 - 3:06 PM
آخر تحديث 2024/07/18 - 2:01 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 277 الشهر 7845 الكلي 9369917
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير