الصحة النفسية والتنمية المستدامة
سعد العطراني
الصحة النفسية، تعد من اهم العناصر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، أذ انها ليست فقط غاية يجب الوصول إليها، بل هي أيضًا وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة في مختلف أبعادها: الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية.
تؤثر الصحة النفسية الجيدة بشكل مباشر على الأداء الاقتصادي للفرد والمجتمع، ذلك ان الأفراد الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة هم أكثر قدرة على الإبداع والإنتاج، والمساهمة الفعّالة في الحياة الاقتصادية. وعلى النقيض، تُشير الدراسات إلى أن الاضطرابات النفسية تُكلف الاقتصادات العالمية مليارات الدولارات سنويًا، سواء من خلال فقدان الإنتاجية أو تكاليف الرعاية الصحية.
جريمة العنف
من الناحية الاجتماعية، تعزز الصحة النفسية الجيدة التماسك الاجتماعي والاندماج، وتُقلل من الجريمة والعنف، مما يخلق مجتمعات أكثر استقرارًا وأمانًا.
الأفراد الذين يتمتعون بصحة نفسية مستقرة أكثر قدرة على تكوين علاقات إيجابية مع الآخرين، مما يعزز الشعور بالانتماء والدعم المتبادل بين أفراد المجتمع، ويسهم في بناء شبكات دعم قوية تلعب دورًا هامًا في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
بيئيًا، يؤدي الاهتمام بالصحة النفسية إلى تعزيز وعي وسلوكيات فردية وجماعية تدعم الاستدامة البيئية. الأفراد الأصحاء نفسيًا أكثر ميلاً لاتخاذ قرارات مسؤولة تتعلق بالبيئة، من خلال الاستهلاك المستدام ودعم سياسات ومشــــــــــاريع حـــــــــماية البيئة.
كما أن العلاقة بين البيئة والصحة النفسية تـــــــــــفاعلية؛ حيث تسهم البيئات النظيفة والخضراء في تحسين الصحة النفسية والرفاهية العامة للأفراد.
رغم الأهمية القصوى للصحة النفسية تواجه العديد من البلدان والعراق خاصة تحديات كبيرة في هذا المجال، بما في ذلك نقص الوعي، والنقص في خدمات الصحة النفسية، ووصمة العار.
للتغلب على هذه التحديات، يتطلب الأمر، أولا زيادة الوعي وتحسين التعليم بشأن الصحة النفـــــــــــسية لتغيير النظرة المجتمعية وتقليل وصمة العار.
وثانيا توسيع نطاق الخدمات الصحية النفسية وجعلها أكثر سهولة وتكاملاً مع الرعاية الصحية العامة. ثالثا دعم البحث والابتكار في مجال الصحة النفسية لتطوير علاجات وبرامج وقائية فعالة.
خامسا تبني سياسات تسهم في بناء قدرات العاملين في مجال الصحة النفسية من خلال تطوير برامج دراسية اولية وعليا فضلا عن برامج تدريبية مهنية متخصصة.
لذلك فإننا في العراق علينا الاهتمام بالصحة النفسية ليس فقط كمسألة صحية، بل هو استثمار حقيقي في مستقبل أكثر استدامة وإنصافًا. عبر تبني نهج شامل يعترف بالعلاقة الوثيقة بين الصحة النفسية والتنمية المستدامة، ان العمل على تحسين الصحة النفسية يتطلب جهوداً مشتركة بين الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص لإنشاء بيئات تعزز الرفاهية النفسية وتحقق التنمية المستدامة.
إن الاستثمار في الصحة النفسية ليس فقط واجبًا أخلاقيًا، بل هو أساس لبناء مجتمع قوي قادر على التكيف والابتكار والنمو. يجب أن يكون هذا الاستثمار جزءًا لا يتجزأ من الخطط والبرامج التنموية على جميع المستويات، في بلدنا العراق.