الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عندما  طلب الثوار في بولندا المدد من ستالين

بواسطة azzaman

درس من التاريخ

عندما  طلب الثوار في بولندا المدد من ستالين

قتيبة آل غصيبة

 

التاريخ هو مرآة الشعوب ؛  يحمل في طياته ماضيها وحاضرها ويمهد لمستقبلها ؛  فالتاريخ يعد أداة قوية تحث الشعوب على التعلم من تجاربها ؛  او تجارب الشعوب والحضارات الاخرى بكافة نشاطاتها الانسانية ؛ إنه يعتبر  أحد العوامل الرئيسية التي تساعد الشعوب على مواجهة التحديات والأزمات بثقة وصمود ؛ فهو بحق «مدرسة العقلاء» ؛ من خلال الفهم والحكمة والتحفيز ؛ وبما يساهم  في بناء مجتمعات أقوى وأكثر استعدادا لمواجهة المستقبل بكل ثقة وتفاؤل ؛ وتوفير فهم أعمق للأحداث والتطورات التي مرت بها البشرية على مر العصور ؛ فمن خلال دراسة التاريخ ؛ يمكننا تحليل القرارات والتحولات السابقة واستخلاص الدروس والعبر منها ؛ ويجعلنا قادرين على  تجنب الأخطاء المكررة واتخاذ قرارات أفضل في المستقبل.

درس مستنبط

وتأسيسا على ذلك ؛ وكدرس مستنبط من تجارب الشعوب ؛  في خضم ما يجري من أحداث مضطربة في العراق ودول المنطقة ؛ لابد ان نقف قليلا على تجربة المقاومة البولندية ضد الاحتلال النازي لبولندا للفترة (1939 - 1945) ؛ فخلال  الحرب العالمية الثانية، بدأت بولندا بمقاومة شجاعة ضد الاحتلال النازي الذي استمر طيلة تلك السنوات ؛ وكان من أبرز فصول هذه المقاومة  هي «ثورة عام 1944» ؛ عندما قرر الشعب البولندي الوقوف بوجه الاحتلال النازي لبلدهم واستعادة حريتهم وسيادتهم ؛ والتي انطلقت بعد سنوات من القمع والاضطهاد النازي ؛ حيث بدأت زعامات الحركة الوطنية فيها  بالتخطيط للانتفاضة المسلحة ؛ ووضعت في حساباتها الحصول على الدعم العسكري والاداري لهذه الثورة ؛ وبالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتهم ؛ إذ كانت  الجيوش السوفيتية وقتذاك  تتقدم نحو شرق أوروبا ؛ ووصلت على مشارف العاصمة البولندية  «وارشو» ؛ وكان الثوار بأمس الحاجة لدعم الجيش السوفيتي ألاحمر ؛ الذي بقي متفرجا على احداث تلك الثورة الدامية  للمقاومة البولندية ؛ بعد أن أمر ستالين جيوشه بالتوفف عن التقدم بأتجاه وارشو التي كانت المعقل الرئيسي للثورة ؛ لأن ستالين كان يرغب في ان يكون له الغلبة في السيطرة على بولندا تحت مظلة الشيوعية ؛ لتصبح فيما بعد أحدى دول الاتحاد السوفيتي السابق ؛ ونتيجة لعدم تقديم الدعم السوفيتي المطلوب ؛ الذي كان بمثابة ألامل الكبير للشعب البولندي في نجاح ثورتهم ؛ فقد تم إجهاض الثورة من قبل جيش الاحتلال النازي ؛ وتكبد الثوار خسائر كبيرة في الارواح بلغت بحدود  ربع مليون انسان ؛ ودمرت وارشو وباقي المدن عن بكرة ابيها ؛ لتمضي القوات السوفيتة قُدماً ؛ وإستئناف تقدمها نحو وارشو وباقي مناطق شرق أوربا بعد فترة قصيرة من أخماد القوات النازية لثورة الشعب البولندي ؛ الذي راهن واهماً على دعم الجيش السوفيتي لثورتهم ؛ وذهبت  التضحيات الكبيرة التي قدمها هذا الشعب أدراج الرياح ؛  ولسان حالهم يردد كلمات شاعرهم القومي «آدم ميتسكيفيتش ؛ (ت : 1855)» : (انتظرناك أيها الطاعون ألاحمر لتنقذنا من الطاعون الاسود؛ فكلاكما الموت ذاته) .

الدرس المُستفاد  مما جرى للثورة البولندية ؛ أن الدول والشعوب لن تنجح في الوصول إلى أهدافها وتحقيق سيادة بلدانها وحريتها ؛ إذا وضعت سهامها  في جعبة الدول الخارجية ؛  وقررت الاعتماد على جيوش الدول الخارجية العظمى او الدول الاقليمية ؛ حتى تلك التي تتـــــــــــقارب معها دينيا ؛ او قوميا ؛ لأن العلاقات بين الدول تحكمها المصالح والمكتسبات ؛ وقد يعترض البعض على هذا الامر ؛ ويستشهد بما فعله التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية سنة1991 في الكويت ؛ وما أعقبها من احداث والتي انتهت بغزو العراق واحتلاله في 2003 ؛ فقد افضت تلك الحقبة من الاحداث بتكريس الهيمنة الامريكية على دول الخليج العربي والعراق المنطقة ؛ وكذلك الدور الذي لعبه التحالف الامريكي ضد داعش في العراق سنة 2014 ؛ والذي أعاد الجيش الامريكي  من الباب بعد أن خرج من الشباك ؛ وساهم في تدخل دول اقليمية أخرى ؛ في مقدمتها ايران وتركيا والكيان الصهيوني والتحكم  في شؤون البلد بشتى الخطط والاجندات بما يخدم مصالحها ومصالحها فقط ، ما سوريا ببعيدة عن هذا الامر ؛ بعد ان استعان حكامها بروسيا وإيران ؛ فقد اصبحت مسرحا للصراع بين القوى العظمى (الولايات المتحدة وروسيا) من جهة ؛ والدول الاقليمية من جهة أخرى (ايران وتركيا والكيان الصهيوني ) من جهة أخرى ، دون أي بارقة امل  في إستعادة سوريا لسيادتها وحريتها .

 وقدر تعلق الامر بالعراق ؛ فإن هذه التدخلات الخارجية ؛ التي لا تزال تعبث بسيادته  وأقتصاده وأمنه ؛  ساهمت في صناعة

سياسة حكومية

تناقضات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية كبيرة ؛ تحكمها مصالح هذه القوى الخارجية؛ والتي أفضت الى عدم الوضوح  والفوضى في السياسات الحكومية وسَوقُها الاكبر (استراتيجيتها العليا) ؛ وبما ينعكس سلبا على اهداف الشعب العراقي وطموحاته في بناء بلد قوي يفخر به العراقيين ؛ والتي للأسف أصبحت بعيدة المنال ...  فالإستعانة بالقوى الخارجية والركون اليها هي... كالذي يستجير من الرمضاء بالنار ...وإن العاقل من اتعظ بغيره ...والله ثم العراق من وراء القصد.

 

 


مشاهدات 200
الكاتب قتيبة آل غصيبة
أضيف 2023/10/02 - 5:06 PM
آخر تحديث 2023/12/03 - 4:56 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 188 الشهر 2613 الكلي 8930452
الوقت الآن
الجمعة 2023/12/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير