الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
في إنتظار العاصفة واليوم التالي

بواسطة azzaman

في إنتظار العاصفة واليوم التالي

لويس إقليمس

 

هناك أحاديث كثيرة بضرورة إدخال تغييرات حقيقية على واقع منظومة الحكم العرجاء في العراق. بل إنّ شخصيات سياسية ومحللين مقربين من أوساط ومصادر ودوائر القرار لدى الراعي الأمريكي ذهبوا باتجاه تحديد العام القادم 2024 موعدًا أقصى لحصول التغيير المرتقب! فهناك أحاديث وتسريبات عن بروز إرادة ماحقة لدى صناع القرار الأمريكي وحلفائه بوجود توجّه واضح نحو تغيير المنظومة السياسية الفاشلة برمتها بعد أن طغت وجانبت الولاء للوطن وخذلت الشعب والعالم تحت مظهر الديمقراطية الزائفة التي عاشت فيها البلاد منذ السقوط الكاسر الذي فتّتَ الإرادة الوطنية وقضى على ولاء الجيش وأذاقه الهوان بعد أن كان سورًا للوطن والقلعة الشامخة للدفاع عنه وعن عروبته وعن حدود العرب ومصالحهم وسط أطماع الجارة الشرقية. هذا من دون أن ننسى المواقف المخزية من جانب الدول الشقيقة التي تجنّت هي الأخرى على العراق وشعبه حين اتفقت مع الأعداء التقليديين والشياطين لتغيير النظام الوطني بكل قوته وجبروته.

ولا ريب حين قدوم الغازي الأمريكي في 2003 بجيوشه الجرارة والشريرة، بحججه الواهية التي أثبتت التقارير والتصريحات كذبها ونفاقها وزيفها، كان قد سلّمَ العراق وثرواته وشعبه ومصيره بأيادي غير وطنية وغير نزيهة وغير نظيفة، ما أحاله إلى بنية هزيلة بلا قرار ولا إرادة ولا طموح لإعادة بناء ما جرى تدميره وتخريبه وتفتيته. بل أثبتت الأيام زيف جميع الادعاءات بالرغبة في إعادة بناء ما تم تحطيمه في الخلفية الأخلاقية والاقتصادية والزراعية والصناعية والإنتاجية والعلمية والتربوية وفي سائر القطاعات التي كانت سندًا لبناء الوطن وصورة حقيقية للهوية الوطنية التي تميزت بها البلاد في الوسط الإقليمي والدولي. وخير دليل على النية المبيتة لتدمير العراق وكسر إرادة شعبه وتحطيم طموحاته تلك الهجمة الشرسة التالية للغزو حين تعرضه لاحتلال من نوع إرهابي دوليّ من جانب منظمات متطرفة متعددة لسنواتٍ قليلات ولكنها مدمّرة، لغاية تحرير أراضيه بدماء أبناء الشعب الغلابى. وقد أثبتت التقارير والوقائع أن هذه التنظيمات كانت من صناعة الغازي الأمريكي نفسه ومَن خوّلَ له إدارة الملف العراقي من الحدود الشرقية للعراق في التمويل والتدريب والتسويق والتجنيد. وماتزال هذه الجارة الشرقية وبتوكيل أمريكي  واضح في الخفاء وخلف الكواليس، تعيث في أرض العراق فسادًا عبر احتلاله واغتصاب إرادة شعبه بشتى الطرق والوسائل عبر جهات ولائية معروفة جلّ همّها سعادة الدولة الشرقية ولا شيءَ غيرها.

السؤال الحرج

هنا السؤال الأكثر حراجةً: وسط هذا الكمّ الهائل من التناقضات في الولاءات والتوافقات والتعهدات الضبابية بين الكتل السياسية وما يجري في أجهزة الدولة من تقاسم الغنائم بصيغة المحاصصة القاتلة، هل سيكون السوداني قادرًا حقًا لوضع حدود للانفلات القائم من جانب الفصائل المسلحة وتشكيلاتها وانغماسها مع الأحزاب والشخصيات الدينية والسياسية التي تغطي عليها بإحداث نقلة نوعية في تنظيف البلاد من قذاراتها وتعزيز إرادة الحكومة في إدارة سير الخدمات والمشاريع وتنفيذ القانون وفرض هيبة الدولة والحدّ من تدخلات الجارة الشرقية التي تهيمن على سياستها وتوجّه بإشارةٍ من أصابعها زعاماتِ البلاد وولائييها من الأتباع المخدوعين والبؤساء بحسب الرغبات والمصالح؟ ما نشهده من بؤس  وتخلّف وإهمال وعدم احترام لألف باء الحكم الرشيد ومن تقصير واضح من قيادات إدارية في شبه الدولة بسبب عدم كفاءة مَن ارتقوا مناصب هامة يتطلب حَزمًا استثنائيًا وعقابًا وحسابًا شديدين ليكون درسًا بليغًا لكلّ مَن يقصّر في واجباته في الوظيفة العامة التي أوكلَت إياه لخدمة البلاد والشعب وليس للنهب والسرقة واللصوصية والإهمال والتقصير بحجة الانتماء إلى هذا الحزب أو ذاك، أو التبجّح بالقرب من هذه الزعامة أو ذاك الشخص المتنفذ أو صاحب تلك العمامة التي تسرح وتمرح بمال الشعب بأدوات لا تليق بها ولا بولائها لمرجعية البلاد الرشيدة التي تضع الهاجسَ الوطني قبل غيره عند التفكير في خدمة الوطن وأهله الشرفاء الأصلاء.

من الواضح أن السوداني في قراراته وزياراته لمواقع العمل ومؤسسات الدولة شهد بأمّ عينيه ما تعانيه هذه من بؤس وتقصير وإهمال بحق الشعب والوطن.

وفي الوقت الذي نشيد بالاعتراف بهمومه وهمته العالية بالارتقاء بهذه المؤسسات الهزيلة التعبانة، ينبغي للأطراف المعنية المحسوبة على الهمّة الوطنية او لنقل ما تبقى من هذه الفئة المطلوبة في التغيير القادم، أن تضع يدها بيد رأس السلطة التنفيذية من أجل رفع معنويات جيوش الموظفين في شبه الدولة القائمة وحثهم للتعاون مع فريقه ومساعدته مع الطيبين لوضع حدود صارمة لكلّ المتجاوزين على المال العام والوظيفة والمنصب بغية إحداث التغيير المطلوب بعد أن بلغ السيلُ الزبى. فاليد الواحدة لا تصفق! وهذا ما ينبغي حصوله لصعوبة متابعة جميع مؤسسات الدولة شخصيًا. وإلاّ ما الفائدة من جيوش الدرجات الخاصة والمناصب العليا إذا لم تلزم نفسها بما يترتب عليها من واجبات وظيفية في النزاهة في العمل والحرص على المال العام وخدمة الشعب والبلد. فلكلّ وزارة أو مؤسسة أو إدارة قانونُها الخاص وتعليماتُها المفروض الالتزام بها في تسيير شؤون الدوائر، كلّ حسب اختصاصه وضمن قاطع مسؤوليته. فليس من المعقول وضع حارس على كلّ مسؤول أو موظف حكومي في الدولة لإرشاده وتوجيهه للقيام بما يُملي عليه ضميرُه ومسؤوليتُه الوطنية كي يُحلّ حلالاً زلالاً ما يتقاضاه من مرتب مقابل عمله المفترض.

نعم للتغيير

إزاء هذا كله، وغيره من المدفون في أطيان الفساد والرشاوى والانتهاكات المتعددة التي لا تُحصى، يبقى من حق المراقب داخليًا وخارجيًا، لما يجري في دولة لها تاريخها وحضارتها وإرثُها وهيبتُها السابقة بين الدول والأمم والشعوب، أن يأمل بوجوب حصول تغيير في المنظومة السياسية القائمة التي أثبتت طيلة عشرين سنة فشلها وتلكؤُها وعجزها عن مرافقة شعبها نحو زمن أحلى من الزمن الجميل الذي عاشته في سابق العقود والقرون. وهذا ما أفصح عنه رئيس البلاد للدورة السابقة برهم صالح في جوهر انتقاده للمنظومة السياسية التي تحكم البلاد منذ 2003 بإشارته الواضحة إلى عجز المنظومة السياسية الحاكمة عن خدمة البلاد والشعب وعن انتهاء مفعولها والحاجة إلى تغييرها، داعيًا إلى إجراء «إصلاحات في جذور وفروع الدولة العراقية.

بعد تفاقم الأوضاع وفقدان الثقة بها وبزعمائها وأدواتها من دون استثناء. فالبلد متخبط في كلّ خطواته ومتعثر في إنجازاته ومتراجعٌ في مشاريعه التي يسعى السوداني في ولايته المؤتمنة محدودة الفضاء في العمل والقرار، أن يقود البلاد إلى حقبة متغيرة بالرغم ممّا يواجهُ من عثرات وصعوبات تضعها أحزاب السلطة وزعاماتُها في وجهه.

إنّ الحلّ كما يراه اليوم أهلُ الداخل والخارج من أصحاب الضمائر الحية ممّا تبقى لهم من الولاء للوطن وأهله، يكمن باستبدال الوجوه السياسية القديمة التي قادت البلاد إلى شفير الهاوية في كل مجالات الحياة بسبب استشراء أساليب الجشع والفساد والرشوة وغياب الضمير وضعف الأخلاق وانتهاك حقوق الإنسان وتغييب وسائل الإنتاج في الصناعة والزراعة وإهمال إنعاش القطاع الخاص الذي يُعدّ عماد بناء الدولة وأساس إعمارها وانتشال اقتصادها من الهلاك والتراجع من سمة الاستهلاكية في عيش الحياة اليومية، ما يعني الاتكالية في كلّ شيء. وهذه الصفة الريعية في اقتصاد البلاد منذ السقوط قبل عشرين عامًا لغاية اليوم، حاصلة مع شديد الأسف بسبب تدمير البنى التحتية الأساسية وإغراق البلاد في فضاءات الفساد التي لها بداية وليس لها نهاية إلاّ بأدوات الحزم والردع والحساب والعقاب ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وليس باعتماد أسلوب المحاصصة في توزيع المناصب والوظائف وتقسيم الموازنات على المثلث الحاكم وفق التراضي والتوافق والمصالح والمغانم كما يرسمها الزعماء الذين فقدوا ثقة الشعب والمرجعية الرشيدة العليا بهم أو ما يصدر استثناءً ناشزًا من أصحاب العمائم المنغمسين مع الساسة في النهب والسرقة والقتل والتغييب وتحييد المناهضين والمعترضين والمنتقدين باسم الدين والطائفة والمذهب و» المقدّس الغائب الحاضر» الذي لم يعد مقبولاً في واقع الحال وسط مشاكل المجتمعات متعددة الأعراق والأديان والمذاهب والقوميات. فالجميع يترقب بل ينحو لتغييرات جذرية ماحقة في قادم الأيام. فما هو شكلها؟

شكل اليوم التالي

 ليس غريبًا أن تتسابق جهات دولية رصينة أو غيرها ممّن شهدت لسوء الإدارة في الحكومات العراقية المتعاقبة وانتقادها لإدارة حكم البلاد الفاسدة والمقصّرة بحق العراق وشعبه على أيدي الحاكم المدني الأمريكي «بريمر» سيّء الصيت، للإعراب عن رؤيتها الجديدة بضرورة حصول تغيير في المنظومة الحاكمة التي فشلت في إدارة البلاد وقادتها وشعبها إلى التهلكة والتخلّف والتراجع في كلّ مفاصل الحياة، ومنها التربوية والتعليمية والأخلاقية والاقتصادية والإنتاجية وما سواها ممّا تعتمد عليه البلدان والشعوب المتحضّرة. فقد تيقنت هذه بلا شكّ بوجود خللٍ نسيجي وهيكليّ واضح يستدعي التدخل الجراحي على أيدي أمهر الجراحين، الذين لا بدّ أن يكونوا مدعومين بالتالي من المجتمع الدولي الذي وقف مؤيدًا للغزو الأمريكي-الغربي الغاشم من دون ان يأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الأطراف الهزيلة الفاشلة التي أتى بها لحكم البلاد الموغلة في قدم الحضارة والتاريخ والإرث التي كانت تستحق حكمًا أفضل من نظامها السابق المتهم بالدكتاتورية وكلّ أشكال الانتقاد اللاذع بالرغم من أحقيتهم في الكثير من هذه الانتقادات. فالعراقيون لم يحصدوا بعد عشرين سنة من الحكومات الطائفية المتعاقبة سوى الجور والظلم والحرمان والتخلّف عن سائر الأمم وشعوب الأرض، ناهيك عن أدوات القهر والقتل والتهديد والتهجير والنزوح القسري والفساد الذي أصبح مقياسًا للتفاخر والحياة الرغيدة بعد أن كانَ عارًا وشنارًا على صانعه ومتداوله وفاعله. وفي اعتقاد الكثيرين، أنّ شكل مثل هذا الإصلاح أو التغيير الجذري لن يكون ممكنًا بغياب إرادة الدول الكبرى، ومنها ذاتُها تلك التي قادت التغيير الدراماتيكي ضدّ النظام السابق بالحجج الوهمية والأكاذيب الزائفة والذرائع الواهية التي أضحت معلومة للقاصي والداني وما خلقته من أشكال الإحباط والفشل والتراجع

وبانتظار موعد انطلاق هذا الحراك على الأرض، ندعو للعراق وأهله الطيبين ممّن لم تتلوّث اياديهم بداء زعامات السلطة وأحزابها وأدواتها وميليشياتها بدون استثناء، بالأمن والاستقرار وحسن الطالع والبيان وبمستقبل زاهر يأخذنا جميعًا إلى قطار الرفاهة والتآخي والتآلف من جديد كما كنّا في الأزمنة الجميلة عندما صنعنا الكتابة وتفوقنا على غيرنا من شعوب الأرض والمنطقة في العديد من مفاصل الحياة. وما يمكن حسمُه بلا جدال، تتالي انعزال الطبقة السياسية الفاسدة عن قواعدها الشعبية وتزايد مواقف التمرّد ممّا يحصل كلّ يوم وكلّ ساعة من خروقات وأشكال الفساد والسرقات التي يخرج منها السارق واللصّ وتاجرُ العملة والممنوعات متخمًا مرفوعَ الراس بقرارات قضائية وإدارية غريبة مثل الشعرة من العجينة، بل معزَّزًا مكرًّمًا يحملُ في سجلّه ووثائقه ويده كلّ أدوات الاتهام والتشارك والتقاسم في الجريمة ضدّ مَن يسعى للوقوف أمامه أو محاسبتَه على أفعاله الخسيسة. لذا كما يبدو، فإنَّ خيرَ سبيلٍ لتفويت الفرصة لمحاسبة الفاسد في هذه الأيام وتخليصه من مشاكله والخوف من انقلابه بالضدّ من شركائه وفضحهم بغطاء الدين والسياسة، يكمن في إبعاده عن المشهد بمسرحيات هزلية اعتاد عليها الساسة ومَن يسندهم في أدوات القانون والقضاء الذي يبقى في موضع الاستغراب. فهل ستحسم النزاهة وأجهزتها التي تدّعي مراعاة مصلحة البلاد الوطنية وتطبيق سيادة القانون على الجميع من دون استثناء، هذه المعضلة الجدلية في محاسبة الفساد والفاسدين بصورة منصفة لتكون بدايةً لشكلِ التغيير المرتقب في النظام السياسي القادم؟

إلى ذلك اليوم، يوم العاصفة الصاعق، وفي انتظار حراكٍ صحيحٍ للتغيير من أجل بناء دولة جديدة مدنية في أدائها، علمانية في توجهاتها، وطنية في واقع هيبتها وسيادتها بكلّ ما تحمله من مفاهيم وصور وأدواتٍ بحيث يكون الدّين والمعتقد وأشكال الإيمان فيها بعيدة عن السياسة كي لا يفسد واحدُهما الآخر ولا يقع الضرر على أيّ منهما أو الخلل في أداء أيٍّ منهما على حساب الآخر!

 

 


مشاهدات 278
أضيف 2023/09/26 - 5:54 PM
آخر تحديث 2023/12/01 - 9:45 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 312 الشهر 624 الكلي 8928463
الوقت الآن
السبت 2023/12/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير