النـص : إبن العلقمي الذريعة لتخوين الطوائف.. قراءة واعية في صفحات مطوية من تاريخ العراق
طلال سالم الحديثي
صدر هذا الأسبوع في دمشق وعن دار العراب كتاب جديد للباحث والمفكر العراقي الأستاذ باقر ياسين ، والكتاب كما وصفه مؤلفه في عنوان فرعي هو : تاريخ ما لم تذكره التواريخ ، فضائح وأسرار أخفاها الطائفيون في سقوط بغداد (1258هـ - 656 هـ) .يقول المؤلف : لم يعد الصمت ممكناً فالمشروع السياسي الطائفي التكفيري الإسرائيلي المدعوم بنظرية الفوضى الخلاقة والإعلام المضلل وآلاف الجواسيس ، وأكداس السلاح والمال السياسي يصر على تكفير الشيعة وقتلهم في كل أنحاء العالم - ولافرق بين المؤمنين منهم أو الملحدين , وأعاد هذا المشروع المشبوه إحياء حملة التخوين ضد الشيعة بحجة إتصال الوزير العباسي ابن العلقمي بالمغول ودعوتهم لإحتلال بغداد قبل سبعة قرون ونصف ، وهي الكذبة التي إختلقها المماليك لأسباب شخصية. لقد حوّل الطائفيون ذلك الخلاف الشخصي إلى قضية طائفية لتخوين ابن العلقمي كذريعة لتخوين الشيعة جميعاً .. فكان لابد من فضح هذه المكيدة الطائفية وكشف الأسرار المخزية ومواقف التخاذل والإستسلام التي أخفاها المؤرخون عن سقوط بغداد وفضح الفساد السياسي والعسكري والمالي والأخلاقي لقادة النظام الطائفي أيام المستعصم .إن الحقائق التاريخية المثيرة التي يكتشفها هذا الكتاب بتوثيق علمي دقيق ستفاجىء الملايين من السنة والشيعة ، وستكشف لهم حجم التزوير والتشويه والتحريف الذي تعرض له تاريخ بلادهم .
وصف جريء
هذا الكتاب هو الوفاء لتاريخ العراق، وهو تاريخ مالم تذكره التواريخ وماتستر عليه المؤرخون الطائفيون .
وقد بدأت فصول الكتاب بوصف جريء معزز بالأمثلة والوقائع للأساليب والوسائل المختلفة التي كتب بها المؤرخون العرب والمسلمون تاريخ العرب والإسلام والذي تغلب عليه الخرافات والأكاذيب والأساطير والأحلام والمنامات والأفكار الغيبية والمبالغات الخيالية الغريبة اللامعقولة والانحياز الطائفي والديني وغياب الدقة والموضوعية والمنهج العلمي في إستعراض الأحداث والوقائع في كثير من الأحيان .
وهذه المعاني والدلالات هي التي دفعتنا لتقديم الفصل الأول تحت عنوان- مهزلة كتابة التاريخ عند المؤرخين العرب والمسلمين - ولكي يتعرف القارئ على النظرية التي قادت المغول لتطبيق المنهج العدواني الدموي وتنفيذهم العديد من المجازر الدموية في الكثير من بلدان العالم في آسيا وأوربا جاء الفصل الثاني لعرض هذا الموضوع المهم تحت عنوان - نظرية السيطرة على العالم في التاريخ الذي أوجب علينا - يقول المؤلف - أن نقدم مضمونه في بحثين مستقلين متكاملين كان الأول تحت عنوان -إمبراطوريات سادت ثم بادت - وكان الثاني تحت عنوان - نظرية المغول في السيطرة على العالم والتي تتلخص بأن الله في السماء العليا هو واحد ، ولذلك يجب أن يكون على الأرض حاكم واحد يطيعه ويخضع له كل الحكام والملوك في العالم ويقوم هو بالخضوع للرب الموجود في السماء العليا ، وأن الله قد إختار ملك المغول ليكون سيداً على ملوك الأرض .
أما الفصل الثالث فيستعرض الأوضاع السياسية والعسكرية التي كانت سائدة في العالم قبل إحتلال بغداد في وصف ميداني تفصيلي لمسرح الأحداث في العالم واتجاهات الزحوف العسكرية للجيوش المغولية ضد جميع دول العالم في آسيا وأوربا قبل إحتلال بغداد وذلك لأعطاء فكرة للقارئ عن ضآلة وتفاهة التهمة المختلقة التي ألصقها المماليك بالوزير إبن العلقمي بأنه هو الذي حرض المغول وأقنعهم بإحتلال بغداد بينما كانت الجيوش المغولية متجهة لإحتلال العالم بأكمله .
عرض تفصيلي
ثم ينتقل الكتاب في الفصل الرابع لعرض التفاصيل الدراماتيكية المثيرة للأنقلاب السياسي الذي نفذه المماليك داخل البلاط العباسي في بغداد ساعة وفاة الخليفة المستنصر ( أبو المستعصم ) الذي لم يوصِ لأحد بالخلافة من بعده ربما لقناعته بتفاهة شخصية ابنه الأكبر المستعصم وعدم كفاءته .. بينما أصر المماليك على إختيار المستعصم من بين جميع أمراء بني العباس وفرضه خليفة للعباسيين رغم علمهم بضعف شخصيته وعدم كفاءته وانصرافه للأهتمام بالتفاهات في حياته اليومية كتربية الطيور ومعاشرة المغنين والمغنيات ..
وكان هذا الأنقلاب السياسي هو التأسيس الفعلي والمقدمة الأولى لكارثة سقوط بغداد بيد المغول ومقتل الخليفة وسقوط النظام العباسي بأكمله ، وكان هدف المماليك من وراء ذلك الإنقلاب هو تعيين خليفة يخضع لإرادتهم ويأتمر بأمرهم ويستطيعون السيطرة عليه وعلى قراراته ، وهذا ماحصل فعلاً بعد تنصيب المستعصم الذي بقي لعبة بأيديهم مطيعاً لإرادتهم وأوامرهم في جميع الظروف .
ومن أجل تصحيح القناعة السائدة لدى أكثرية العرب والمسلمين عن إعتقادهم بوجود جيش عباسي كبير وقوي إنطلاقاً من المعلومات السابقة عن معارك الفتوحات الإسلامية التي نفذتها الجيوش الإسلامية في أقصى بلدان آسيا وصولاً إلى حدود الصين، فإنه كان يتوجب علينا طرح الحقيقة الصادمة وهي : عدم وجود جيش عباسي !
وهو الموضوع الذي يعرضه الفصل الخامس في الكتاب تحت عنوان - الحقيقة الغائبة - التي تعني عدم وجود جيش عباسي في عصر الخليفة المستعصم ، وهذا التصحيح لقناعات وآراء العرب والمسلمين هو أمر ضروري وملح رغم ما يحمله من مفاجأة صادمة مؤلمة وحزينة.
أما الفصل السادس الذي جاء تحت عنوان - الطامة الكبرى - وهي العبارة التي وصف بها المؤرخان ابن الأثير وابن كثير الرسالة الخطيرة التي أرسلها الخليفة الناصر لدين الله العباسي إلى جنكيز خان الوثني يطلب منه التعاون لإسقاط وسحق دولة خوارزم الإسلامية بعد خلافه مع قادتها وبعد ظهور ميلها للتشيّع وموالاة أهل البيت ، ويتضمن الفصل أسراراً أخفاها وقفز فوقها المؤرخون الطائفيون من العرب والمسلمين .
ومن بين أهم الفصول في الكتاب : الفصل السابع الذي جاء تحت عنوان : ( ماهي حقيقة ابن العلقمي ، وهل كان ممثلاً للشيعة في النظام العباسي ؟ ) حيث يبحث الفصل في طبيعة العلاقة الشخصية المتينة التي كانت قائمة بين الوزير ابن العلقمي والخليفة المستعصم، ويبرئ الشيعة كلياً وبالأدلة القاطعة من المسؤلية عن تصرفات ومواقف الوزير ابن العلقمي الذي كان إشتراكه وتعاونه مع النظام العباسي موقفاً شخصياً وإجتهاداً فردياً لاعلاقة للمرجعية الشيعية به لا من قريب ولا من بعيد ، ويستعين الفصل بنصوص هامة مقتطعة من أحداث التاريخ العراقي عن الصراع التصفوي الذي مارسه العباسيون ضد الشيعة وأمتهم كشواهد لأثبات الفكرة آنفة الذكر .
قصة التخوين
ويستكمل المؤلف هذا الموضوع في الفصل الثامن الذي جاء تحت عنوان - القصة الكاملة المختصرة لتخوين ابن العلقمي - حيث يستعرض تفاصيل قصة التخوين والأتهام ضد ابن العلقمي ودوافعها الشخصية والطائفية، وماتضمنته من أسرار عتم عليها المؤرخون الطائفيون أيضاً وامتنعوا عن عرضها أمام أجيال المسلمين .أما الفصل التاسع فيبحث في صمت الطائفيين عن خيانات عدد من القادة المعروفين من غير الشيعة وفي مقدمتهم خيانة والي الموصل التابع للمستعصم بدر الدين لؤلؤ وتعاونه السافر والعلني مع المغول .ويعد الفصل العاشر أهم فصول الكتاب لأنه يعرض نص الأمر العسكري الذي أصدره الخان الأعظم للمغول منكوقان إلى هولاكو طالباً تنفيذه ،إن القرار العسكري الهجومي للقيادة المغولية يأمر هولاكو بإحتلال كل المنطقة الممتدة من حدود باكستان وحتى جنوب مصر ،، وبذلك فإن هذا الأمر العسكري يطلب من هولاكو إحتلال إيران وآذربيجان وكردستان ولورستان ( بلاد اللر ) وبلاد الروم ( تركيا ) والعراق وسوريا وفلسطين ومصر ، أي إحتلال مايسمى اليوم بمنطقة الشرق الأوسط بأكملها .
لذلك فإن التهمة القائلة بأن ابن العلقمي هو الذي أقنع المغول وأغراهم بإحتلال بغداد تبدو في غاية التفاهة والسذاجة والسطحية والغباء، فالجيش المغولي لم يكن بحاجة إلى شخص مثل ابن العلقمي ليساعدهم ويشجعهم على إحتلال بغداد .
أما الفصل الحادي عشر فقد جاء تحت عنوان - تاريخ ما لم تذكره التواريخ - وهو يبحث في عدد من الوقائع والأحداث التاريخية التي أخفتها وعتمت عليها تواريخ الطائفيين وهي أحداث وحقائق تاريخية في غاية الأهمية والإثارة .أما كيف جرى إحتلال بغداد ، وماهي الأحداث والمفاجآت والأسرار الغريبة والمثيرة وغير المعروفة وغير المتداولة وفي التطورات التي حصلت خلال عملية إحتلال بغداد مما قد لاتكون معروفة لدى الكثيرين فيستعرضها الفصل الثاني عشر بطريقة مكشوفة قد تشكل مفاجأة مدهشة لعدد من المهتمين والمتابعين من أبناء مختلف المذاهب والأديان .وختام الكتاب فصله الثالث عشر وفيه يقدم المؤلف للقارئ مقارنة بالوقائع والأحداث المتشابهة بين ماجرى في إحتلال بغداد بيد المغول عام 1258م وبين ماجرى في إحتلالها بيد الأمريكان عام 2003م ولعل بعض أوجه التشابه بين الإحتلالين يصل إلى درجة التطابق رغم أن الفارق بين الواقعتين يبلغ سبعة قرون ونصف من الزمان .وبهذا الفصل ينتهي هذا الكتاب الجديد الذي بلغت صفحاته 376 صفحة الذي قدم فيه مؤلفه المفكر العراقي باقر ياسين رؤية جديدة لوقائع تجاوزها الزمن ولكنها وقائع مهمة في مجرى التاريخ العربي الإسلامي وفي مجرى التاريخ العراقي الذي لم يزل بحاجة إلى قراءات تضيء جوانبه وتبرز حقائقه الخفية التي تنتظر جهداً كجهد الأستاذ باقر ياسين ، الذي أجد في كتابه أصالة الرأي وجرأة التصريح وقول الحقيقة جلية واضحة وهو مانحن بحاجة إلية في إعادة قراءتنا للتاريخ ، والله الموفق .
|