النـص : إلتباس حيال عنوان كتاب الدكتور ضياء خضير
النجوم لاتنطفيء بمجرد رحيلها بل تتوهج في الذاكرة
سامر الياس سعيد
من بين الاصدارات اللافتة التي يحرص الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق على نشرها واطلاقها ثمة اصدارات تعنى بمحور السير الادبية وتبرز الكثير من خفايا نخب اسهمت بتشكيل بصمتها الواضحة في المشهد الادبي العراقي خصوصا وان هذا النور من المحاور الادبية لمهمة كونها تتيح للقاري سبر اغوار تلك الشخصيات والتقارب مع ما عاشته من ارهاصات فكرية شهدتها في اجواء عاصفة مثلما مر به ذلك القاري العراقي ليقف على حقيقة كيف عاشت تلك النخب تجربتها في خضم تلك الاجواء وكيف خبرت الخروج من مرارات ذلك الزمان دون ان تضحي تجربتها مريرة كمرارة تلك الحقبة فحسب فضلا عن ان واقع السير الادبية يستلهم بالكثير من التفاصيل حقيقة اين يقف المبدع العراقي من بين حيواته التي يعيشها وسط الازمات وما الذي يبرهنه في وسط يميل للتباين في نظرته تجاه تلك النخب الادبية وحقيقة استلهامها للعيش من متون الكتب الفلسفية والفكرية التي ترسم لها خط سير يبتعد بشكل وباخر عن الواقع المعاش لتلك النخبة فحسب خصوصا في قراءته للازمان التي عاشتها والاحداث التي تختلف نظرتها من بين متابع يرتكز على اصول فكرية وادبية وبين شخص اخر لاعلاقة له لامن قريب ولامن بعيد بتلك النصوص والسرديات في مقارنة واقعية محضة ..ما دعاني للتوقف عند الاصدار الجديد الذي اتاحه الاتحاد المذكور تحت عنوان نجوم منطفئة في سماء ذاكرة الغريب مع عنوان اخر ثانوي يشير الى ان صفحات الكتاب الخاص بالدكتور ضياء خضير تحوي صورا قلمية وذكريات وقطع من حياة مستندة على ما تحفل به الصفحات ال191 من القطع الوسط للكتاب الحافل بشخصيات ادبية وثقافية لها حضورها الحافل في المشهدية الثقافية العراقية ..وحقيقة فان التباس العنوان كونها تشير لنجوم منطفئة تبرهن ان عدد من الشخصيات قد رحلت من دنيانا الى عالم البقاء تحيلنا الى النجوم الاخرى التي اضاء عنها الكاتب وهي ترفل بالحياة وما الذي دعاه لان يطفاها في عنوانه الملتبس رغم انها مازالت تحيا حياتها الحافلة بالكثير من التفاصيل والذكريات تماما مثلما احيا الدكتور خضير تلك النخب حينما اضاء لها بكتابه فواصل حياتية سواء عاشها بمقاربته لها او ابرز ذكرياته معها رغم عدم لقائه واياها في موقف او حدث معين ومن بين تلك النجوم التي اطفاها الاكاديمي العراقي وهي مازالت ترفل بالحياة مستلهمة تجربتها الثرية في عالم الاعلام الرائد الصحفي الذي وصفه بالمخضرم وهو محسن حسين جواد والذي توقف عند تفاصيل مجايلته له ومجاورته له سواء في مستقره بلبنان او في المفارقة التي حصلت بكون الكاتب استقر في كندا بينما كان جواد قد تركها قافلا للاستقرار في لبنان والتي حملت جانبا من حياة الكاتب فيها قبل سنوات ..
اضافة لتلك الشخصية المهمة والتي تبرز واقع الصحافة العراقية و تاثرها بما شهده البلد فان الاخرين ممن يقدم لهم الكاتب الدكتور ضياء خضير خلاصة حياة وواقع تبرز حقيقة كيف يعامل البلد مبدعيه وكتابه وكيف يقيمهم في واقع الحياة الوظيفية واستكمال دراساتهم الاكاديمية والنظرة الاحادية القاصرة التي يمكن ان تنشا لو خالف واحد من هولاء الاكاديميين مسار البلد المتاثر بسياسة محددة او نظام حكم معين حيث يقلب الكاتب صفحات مستلة من ما شهده العراق ابان فترة حكم صدام حسين وما كانت عليه سياسة البلد خصوصا في التعامل المرتكز على تغييب الادباء والكتاب ممن لم تتفق كتاباتهم مع الوجه العام للبلد وهذا ما يتوقف عنده الكاتب بشكل كبير وواسع في اطلالته للمواقف التي جمعته بالكاتب عزيز السيد جاسم والذي لم يكتفي بالاشارات التي استلها من حقيقة قربه من تلك الشخصية فحسب بل عمد لافراد ملحق خاص بتلك الشخصية متوقفا واياهه الى وجهات نظر مختلفة ازاء حقيقة تغييب المفكر العراقي المذكور وما حملته افكار الاخرين تجاهه تماما مثلما قسم الرؤى المختلفة حقيقة النظر الى العراق وما شهده بعد عام 2003 وما قبلها باعتبار ان الكثير من العراقيين يتوقفون عند المقارنات المنطقية التي تقسم حياتهم الى واقع مزدهر واخر متذبذب مسكون بالاحباطات ومليء بالحروب العبثية التي طالما زج بها البلد ليتوقف من خلالها عند مواكبة التحولات الحياتية التي عاشها اقرانه من ابناء الاوطان والبلدان الاخرى ..في تقديم الكاتب عادل عبد الله للكتاب ثمة فكرة مضيئة عما يمكن للاديب من تناوله في محور السيرة الادبية وكيف يتمكن من تلخيص واقعه الفكري في التعامل مع الشخصيات الاخرى دون ان يزج بموقفه الشخصي منها او يبتعد برايه ليترك الانطباع الاوحد لكل من يقرا تباعا تلك السطور التي تركها الكاتب بحق من جايلهم اي ان الكاتب يكتفي بترك من اختزنته الذاكرة فحسب من المواقف والاحداث التي عاشها تجاه تلك الشخصية ناقلا اياها بصورة قلمية مجردة من كل راي او فكر اخر فيما يترك للقاري لاحقا في ان يتمكن من نسج السطور الاخرى التي تستلهم حقيقة ومديات ذلك الكاتب والمبدع لحقيقة ارتكازه في تعامله مع الاحداث التي واجهها وبذلك يحقق تلك النظرة التي افصح عنها مقدم الكتاب بانه كمن يلعب الشطرنج مع نفسه ويتعامل بواقعية مع كل تحرك لبيدق تلك اللعبة في ان يضعها بالمربع المطلوب لاان يصغي لقرارة نفسه بان يتم بعض الرتوش والتفصيلات الاخرى التي يمكنها ان تجرد ذلك الكاتب او المبدع من حقيقة ارتكازه على رقعة الحدث نفسه ..ويستهل الكاتب لاحقا صوره القلمية التي اعدها للشخصيات التي وقف وازائها على تذبذب الحياة لاسيما خلال فترة حكم البعث ومدى تاثرها بالتباين الحاصل في تلك الفترة حينما وضع الصورة الاولى لصديقه غازي العبادي تاركا بين سطور تلك الصورة جوانب مفصلة ازاء تاثر العبادي نفسه بتلك الحقبة وابعاده لكل اتهام وتجني ازاء ما تركه من ارث فكري وادبي وهو ما ناء به الكثير من الادباء والفنانين ممن كانوا اسيري تلك الحقبة دون ان يتاثر منجزهم الفكري بعمليات التمجيد التي كانت مخصصة لراس النظام في تلك الحقبة .
وقد اجاد الكاتب ضياء خضير من استلهام صور اخرى مستقاة من سطور ما تركه هولاء الكتاب والمبدعين ليشير من خلال ما كتبوه الى كونهم كانوا يشيرون الى انفسهم وما حظوا به من واقع ادى الى ان يقرروا الانزواء وترك مشهدية الضوء خائضين بعتمة الزمن التي تتلمس نهاية النفق المظلم عسى وان يحمل لهم ضياءا اخر غير ملوث ..
وحسن فعل الكاتب من ان يتيح في سلسلة صوره القلمية بتناول شخصيات ادبية لها مساحتها الواسعة في اعماق المشهد الثقافي العراقي واعني بهم الدكتور علي جواد الطاهر والدكتور عناد غزوان والدكتور مصطفى جواد وما قدمته تلك النخبة الفكرية من اثار نفيسة في سبيل ترصين الادب واللغة ..
كما لاينسى الكاتب وهو يحمل لكل نخبة فكرية احداثا وروايات حقيقية من ان يقارن بشكل غير مباشر بين حقيقة الدراسات العلمية الاكاديمية سواء قبل عام 2003 او ما بعده حينما قرر هو شخصيا انهاء فترة الاغتراب ليعود لكليته مستانفا فيها رحلته الاكاديمية وكانه يشير بشكل وباخر الى واقع البلد الذي كان محكوما بنظام واحد يقدم الولاءات اليه على شكل تقارير سرية تفصح عن حقيقة نفسية غير مستقرة لكل الراغبين بالاستحواذ على المناصب والكراسي وبين واقع اخر تلا تلك الحقبة ليدور في فلك الوساطات والمحسوبيات التي لم تختلف ولو قيد انملة عما كانت تحمله الحقب السابقة من سيناريوهات متقاربة ولكن بشكل اكثر فوضوية وعشوائية مقيتة ..
|