الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الجغرافيا الضاغطة ظل الإقليم في الصندوق

بواسطة azzaman

ذاكرة الظلال.. ديمقراطية الرافدين (5)

الجغرافيا الضاغطة ظل الإقليم في الصندوق

كاظم نزار الركابي 

 

في السياسة، قاعدة ذهبية: “الانتخابات شأن محلي، لكن النتائج شأن إقليمي”. وفي الحالة العراقية، تشكل هذه القاعدة “قانوناً” صارماً لا يقبل النقض.

تحدثنا في الحلقات السابقة عن “الظلال” الداخلية (الكارتل، طوابق القلعة، العزوف). لكن، هناك ظل أخر يكمل صورة “ذاكرة الظلال”، بل يتسيد فيها ليكون “الظل الأكبر” هذا الظل هو: الجغرافيا.

عندما شارك الناخب العراقي (أو قاطع) في 2025، كان يحسب أنه يختار “أشخاصاً” ليحكموا البلاد، لكن في الحقيقة كشفت، أن “مواصفات” الحكم، رُسمت مسبقاً خارج الحدود.

استقلال سياسي

عودة” السريعة للسوداني إلى “بيت الإطار”، وأندثار مشروع “الاستقلال السياسي”، لم تكن “ديناميكية” داخلية. وأنما كانت، في عمقها، استجابة لـ “شيفرة” جيوسياسية معقدة تحكم العراق منذ 2003.

هذه الشيفرة يمكن تسمبتها: “سيادة الاختيار المقيد”، وبما يعني أن العراقيين يملكون اختيار “من” يحكم، لكن الجوار والعالم يمتلكون “الأسلوب” الذي ينبغي أن تكون عليه طريقة الحكم

عند قراءة “خرائط” العواصم التي راقبت هذه الانتخابات، نفهم السبب وراء (بقاء الكارتل وضعف الزعامة الفردية) .

أولاً: طهران.. ونظرية “الحديقة المُسيطر عليها

بالنسبة لطهران، العراق ليس جار فحسب، وأنما “رئة” ستراتيجية. الستراتيجية الإيرانية في العراق (منذ سقوط النظام السابق) قائمة على معادلة دقيقة: “لا للفوضى الشاملة، ولا للديكتاتور القوي”.

الفوضى” تهدد حدودها، و”الديكتاتور القوي” (أو الزعيم الوطني المستقل جداً) يهدد نفوذها ويعيد ذكريات الحرب المريرة. لذلك، فإن صعود السوداني كـ “مشروع زعيم” مستقل (على طراز أردوغان) كان يمثل “قلقاً” صامتاً في أروقة القرار الإيراني.النتيجة التي أفرزتها الانتخابات (حجم متوسط للسوداني، وحجم كبير للإطار) هي “السيناريو الذهبي” لطهران. إنها تعيد إنتاج نظام “المجلس”، إذ لا يستطيع أحد الانفراد بالقرار، ويظل الجميع بحاجة إلى “الراعي” لضبط التوازنات. عودة السوداني إلى “الكارتل” عودة إلى “الحديقة المسيطر عليها”.

سيادة وظيفية

ثانياً: أنقرة.. واستثمار الفراغ على الجانب الآخر، تنظر تركيا إلى “الخارطة” بعيون “أمنية” و”تجارية”. بالنسبة لأنقرة، “الضعف” السياسي في بغداد “فرصة” وليست “مشكلة”.

انشغال “الكارتل” بصراعات التحاصص في بغداد يمنح تركيا ما يمكن تسميته “السيادة الوظيفية” في الشمال. الجيش التركي يتحرك بعمق عشرات الكيلومترات لمحاربة حزب العمال الكردستاني، مستفيداً من غياب “القرار السيادي” الموحد في بغداد. وفي الوقت نفسه، تستخدم أنقرة ورقة “المياه” و”طريق التنمية” لربط الاقتصاد العراقي بها. تركيا تفضل “عراقاً” غنياً (يشتري بضائعها) لكنه  في ذات الوقت “مفكك” سياسياً (لكي لا ينافسها إقليمياً)... نتائج الانتخابات ضمنت لتركيا ما تريد.

ثالثاً: واشنطن.. وستراتيجية “الهدوء الرخيص

في واشنطن، تغيرت العدسة. لم يعد العراق “مشروعاً ديمقراطياً” للتبشير، بل أصبح ملفاً لـ “إدارة المخاطر”. أمريكا، المشغولة بالصين وأوكرانيا، تريد من العراق شيئاً واحداً فقط: “الهدوء”.

سقوط “مشروع الزعيم” وعودة التوافقية قد يزعج “المثاليين” في الخارجية الأمريكية، لكنه يريح “الواقعيين” في البنتاغون والمخابرات. أنهم يفضلون “الاستقرار الهش” (الذي يضمنه الكارتل) على “مغامرة” التغيير التي قد تؤدي إلى اضطراب سوق الطاقة أو عودة داعش. واشنطن اليوم تبارك أية معادلة تضمن تدفق النفط وصمت البنادق، حتى لو كانت هذه المعادلة تُدار من “الظلال”.

ما يعني إن “الجغرافيا الضاغطة” لم تكن غائبة عن صناديق 2025. إذ كان “الظل” الإقليمي حاضراً داخل كل ورقة اقتراع.

الناخب العراقي، حين تبنى (الرفض البنيوي) بالإمتناع عن التصويت، أو حين صوّت للسوداني (المشروع!!)، اصطدم في النهاية بحقيقة أن إختراق “السقف” ممنوع.

عودة” السوداني إلى الإطار، وبقاء “الكارتل” مسيطراً، ليست “نكسة” داخلية. وأنما تمثل تجديد لـ“الترخيص الإقليمي”. فلقد اتفق “الفرقاء” (إيران، أمريكا، تركيا) ضمناً على أن “عراق الكارتل” (الضعيف والمستقر) أفضل للجميع من “عراق المشروع” (القوي والمستقل).

هكذا، تظل “الديمقراطية” في العراق أسيرة لـ“جغرافيتها”. وتظل “الإرادة الوطنية” تبحث عن ثقب في جدار “المصالح الدولية” لتتنفس من خلاله.


مشاهدات 56
الكاتب كاظم نزار الركابي 
أضيف 2025/12/27 - 5:34 PM
آخر تحديث 2025/12/28 - 6:19 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 746 الشهر 21228 الكلي 13005133
الوقت الآن
الأحد 2025/12/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير