الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دبلوماسية الصبر في مدينة الناصرية

بواسطة azzaman

دبلوماسية الصبر في مدينة الناصرية

عادل سعد

 

تظل الافاضة بالشكوى واحدة  من مرتكزات التخفيف من الوجع النفسي الذي يعانيه الإنسان ،  وكلما زادت جرعة هذه الافاضة تكون المزيد من الهموم الكامنة في الاعماق قد تفككت وتلك واحدة من العلاجات المركزية التي أعتمدها الطبيب النمساوي سيجموند فرويد في معالجته  لحالات  الكابة  والذهان والانفصام والغم

لقد كانت  علاجاته تقوم على  كشف الاسرار ضمن اضيق دائرة ،اي بين الطبيب النفسي والمريض بضغوط التراكم الاحداث القاسية ،ويتخذ هذا المنهج العلاجي اطاره الرحب حين تكون العلاقة بين المصاب بمتلازمة الهموم والطبيب على درجة من الاطمئنان  وفي الكثير من الأحيان يكون الاصدقاء الاوفياء على قلتهم اطباء متطوعين في هذه المهمة ،كما تتخذ  المهمة تأثيرها المباشر بين نساء مريضات وطبيبات مجازاً

لقد كانت السيدة ليلوة واحد من المتطوعات بمثابة طبيبة نفسية  ناجحة  ، كل المعلومات تشير الى أنها نزحت مع زوجها  من مدينة البصرة  الى مدينة الناصرية

كان زوجها (تاجر رصيف) وجدَ في الناصرية ضالته لكسب المزيد من الارباح الى حد  استطاعته شراء قطعة ارض شيّدَ  عليها داراً صغيرةً  تأويه  مع ليلوه  ورصيد مالي يداور فيه للحفاظ على وجود سيولة نقدية  فائض قيمة وازنه تجارياً ، وللتوثيق، كان منزله الجار الابعد لمنزل الشخصية الطريفة (مهندس) الروايات الطازجة  جد الفنان العراقي الدكتور حميد الجمالي

لقد ظلت ليلوة بائع مساعد  لزوجها واستطاعت ان تؤسس شبكة علاقات اجتماعية مع نساء من مختلف الاعمار وشيئاً فشيء تحولت الى كاتم اسرار للعديد من نساء المدينة تستمع وتنصح وتداري  ،وفي احد الايام غادر زوجها الى البصرة لجلب بضاعة لكنه لم يعد  .

في الايام الاولى لغيابه استطاعت ليلوة ان تتماهى مع الحدث بانتظارٍ قاسٍ لكنها طورت موقفها بالقول ،(الغايب حجته معه) ثم  أخذ المحيطين يتعتبرونه حادثاً خاصاً لا يجوز السؤال عنه مهما كان الفضول قويا ً  وظل هناك هامش معلومات متداول  ان زوجها ارتبط بزوجة ثانية وتوجه الى بغداد ، لكن المعلومة لم توثق بشهادات  ، معلومة اخرى تقول ان الامن اختطفه من احد شوارع البصرة بشبهة الانتماء الى الحزب الشيوعي (واهالوا عليه التراب). وهو مصطلح( دبلوماسي) للتعبير عن التصفية الجسدية على ايدي الامن .

على اي حال ، بقيت  ليلوه مواظبة على عملها واخذت تتكرر على البصرة لجلب المزيد من البضائع التي تهم النساء ،فوّط من الحرير الكشميري وعباءات حبر  لسوادها الفاحم  ومعجنات زينة ومواد اخرى لمعالجة الكلف والحبوب السوداء التي تنتشر على الوجوه بل وادوية عشبية لمعالجة الرشح واوجاع البطن والوهن   ومع توسع بضاعتها  وظّفت مساعدة لها ، سيدة مطلقة مشردة بعد ان ذاقت الامرّين من زوجها ، بل واسكنتها معها .

لقد تحولت ليلوه بمرور الزمن إلى مأوى بشري نفسي نموذجي للعديد من النساء اللواتي يلجأنَ اليها  للشكوى والفضفضة وتلقي النصائح  وكان الدواء الذي تنصح به ، المزيد من الصبر توصيفا للاغنية التراثية (اشجابرك على المر غير الأمر منه ) تحاشياً لقسوة  العنوسة والطلاق ،  كما كانت توصي بحرق نوع معين من الحرمل الهندي  ، وعندما توفيت ليلوه خرجت اغلب نساء الحي لتوديعها في مشهد لافت لم تألفه الناصرية.

 


مشاهدات 65
الكاتب عادل سعد
أضيف 2025/12/25 - 1:14 AM
آخر تحديث 2025/12/25 - 3:01 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 136 الشهر 18416 الكلي 13002321
الوقت الآن
الخميس 2025/12/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير