من يرمّم الروح العامة؟
نوري جاسم
في اللحظات التي تتآكل فيها الثقة بين المجتمع والدولة، لا تكون الأزمة سياسية خالصة، بل روحية – أخلاقية قبل كل شيء. السياسة، حين تطول إقامتها في دائرة الصراع، تُرهق الوعي العام، وتحوّل المواطن من شريك في الوطن إلى متفرج قلق، أو ناقد غاضب، أو منسحب صامت. ان ما نشهده اليوم ليس فشل برامج فقط، بل إنهاكًا عميقًا في “الروح العامة” للمجتمع. تلك الروح التي كانت تجمع المختلفين على حدٍّ أدنى من الأمل، وعلى شعور مشترك بالانتماء. وحين تتعب الروح، لا تعود القوانين كافية، ولا الخطابات مجدية. وإن أخطر ما يواجه الدول الخارجة من أزمات متراكمة هو أن تعتاد مجتمعاتها على الاضطراب، وأن يصبح الاستثناء قاعدة، والفشل حدثًا عاديًا. عندها، لا يكون الخطر في الانقسام، بل في التطبيع معه. السؤال الجوهري اليوم ليس: من يحكم؟ بل: من يرمم المعنى؟ فالدولة لا تُبنى فقط بالموازنات والخطط، بل بالثقة، وبإشعار الإنسان أنه مرئي، مسموع، ومُقدَّر. وهنا يأتي دور النخب الثقافية، والمؤسسات التربوية، والمرجعيات الاجتماعية والدينية المعتدلة، في إعادة الاعتبار للقيم الجامعة: الصدق، الخدمة، المسؤولية، والعدل. ونحن بحاجة إلى خطاب جديد، لا يُجامل السلطة ولا يُزايد على الناس، خطاب يُصارح بلا تهويل، ويقترح بلا وصاية، ويُعيد وصل السياسة بالأخلاق، لا خلطهما. فالسياسة حين تنفصل عن القيم، تصبح إدارة مصالح ضيقة، وحين تتصالح مع الروح، تتحول إلى مشروع حياة. وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.