اللباگ

 زكي الحلي

اللباگ ظاهرة اجتماعية مستحدثة، لكنها في حقيقتها امتداد مطوّر للكذاب التقليدي. فإذا كان الكذاب يعتمد على تحريف الحقيقة، فإن اللباگ يتجاوز ذلك إلى السيطرة على الحوار نفسه. هو الشخص الذي لا يسمح لك بالكلام، يقاطعك باستمرار، ويرفع صوته لا ليقنعك، بل ليسكتك. فصوته العالي هو حجته الأولى، ومقاطعته سلاحه الأهم.

اللباگ لا يناقش الفكرة، بل يحارب المتكلم. يشعر أن أي رأي مخالف يهدد وجوده، فيلجأ إلى الفوضى الكلامية، ويغرق الحوار بتفاصيل جانبية، أو اتهامات مبطّنة، أو نبرة استعلاء. وهكذا يخرج النقاش عن مساره، وتضيع الحقيقة بين الضجيج.

خطورة اللباگ أنه يوهم نفسه ومن حوله بأنه انتصر، بينما الحقيقة أنه عجز عن الإقناع. فالعقل الواثق يصغي قبل أن يتكلم، ويحترم حق الآخر في التعبير. أما اللباگ، فهو ابن الخوف وضعف الحجة، يختبئ خلف الصوت المرتفع لأنه لا يملك منطقًا متماسكًا.

في مجتمعات يكثر فيها اللباگ، يختنق الحوار، وتُدفن الأفكار الجيدة، ويسود الصراخ بدل الفهم. ومواجهة اللباگ لا تكون بمنافسته في العلو، بل بالهدوء، وتحديد الفكرة، وفضح أسلوبه بالصبر والوعي. فالصوت العالي لا يصنع حقيقة، كما أن المقاطعة لا تصنع فكرًا، وسؤالي كم (لباگ )بحياتكم ؟.