حوار مع الأديب محمد رشيد الشمسي: الرمزية مدرسة من مدارس الأدب المهمة
فرح تركي العامري
من محافظة ذي قار ومن مدينة الشطرة تحديدا، أستاذ جامعي حاصل على درجة الماجستير في الأدب الانكليزي، ولديه العديد من الاعمال الروائية والقصصية منها « رواية طائر التلاشي، معلم السعادة مجموعة قصصية، قبور تعود إلى أوطانها، رواية يد القمر، رواية الأبلة الذي أسمه ن، وانكيدو وانكيدو» تميزت اعماله بالتميز الأدبي والرمزية المتقنة، وظف الحيوان كأداة لكشف الواقع المرير، بصورة تجذب القارئ لحصد فهم أكبر، والتفاعل مع رسالتة الأنسانية، أبرز أسباب ألهامه لاعماله وتدويناته هي مدينته ال شطرة الغافية فوق متونها التاريخية والتراثية، وكثيرا ما تكون الأزقة القديمة موطن للفن والادب والتلاقي الحقيقي، وحوارنا معه للتوسع في الحديث عن تجربته الأبداعية وعطاءه الكبير، أجاب برحابة صدر واسلوبه المتفرد؛
□ فاتنا آخر درس يا معلم السعادة، كيف نعوضه بالله عليك؟
-آخر درس أن لا تضع لك معجمًا عندما تريد قراءة دروس السعادة، دعها تفسر نفسها بنفسها، واختبئ خلف كلماتها ودروسها؛ لعلك تصيد أو تلقي القبض على سرور تائه، تعتاش عليه بقية يومك أو ساعتك الآنية.
□ إن الإنسان مع ما يفهمه سجين، امتازت أعمالك بالصعوبة، ففي قصصك ترمز إلى الإنسان ببراعة الأنسنة ولكن مستخدمًا حيوانات، كيف ترى التفاعل مع أعمالك؟
-التفاعل وقتي وأصالة النص سرمدي، وأنا أعمل على الاثنين معًا، رغم التوصيف الذي أطلقته (وقتي وسرمدي) والفرق بينهما، فأعيش لذة النص بالتفاعل وأكمل بقية حياتي بأصالة النص، حياتي مرهونة به، فهو يعيش معي كأنه أحد أفراد عائلتي، اهتم به من مأكل وملبس وما شابه ذلك، وبسمعته بين القراء. الأنسنة من خلالها أحاول أن أضع مشاركة كائنات أخرى في الهم الذي نعيشه، وأحاول منها أن أبسط الأمور، لأن هذه الكائنات تكون أقل غلظة منا نحن البشر.
طريق الخلاص
□ يعيش العراقي ويموت وهو يتسامى مع تراب وطنه، كيف للقبور أن تعود مع أصحابها؟
-الغربة ملجأ وطريق للخلاص من عنف الطاغوت وتسلطه، ولكن أبطال روايتي (قبور تعود إلى أوطانها) أجسادهم في الغربة وأرواحهم عند بلدهم الأم، وقد اخترت أروع مكان في أوروبا، إلا وهي مدينة دوسلدورف لتكون مسرحًا لأحداث الرواية، كل تلك الروعة في المدينة والجمال، لكنهما (عباس وعبد الحفيظ) أرادا العودة إلى وطنهم في العراق والجزائر، والسلطات قتلتهما حين كانا يطالبان بحقوقهما... وقالت أم عبد الحفيظ الجزائرية قولتها المشهورة: هناك الأفواه مغلقة والأذان مفتوحة، وهنا الأفواه مفتوحة والأذان مغلقة، هي وضعت مقارنة بين بلدها الجزائر وألمانيا.
□ كيف استثمرت تجربتك الأدبية مع طلابك، وبالأخص كونك مختصًا بلغة أجنبية «الإنكليزية»؟ هل وجدت تفاعلًا ونجاحًا؟
- أطلق العنان في رحاب الأدب بمختلف أصنافه، والتجول معهم في كل صوب وزاوية، ونتفاعل معًا حتى ننسى توقيت زمن المحاضرة، وقد أجد الكثير منهم متفهمًا ومحبًا للرواية والقصة والمسرح.
طبعًا هذا جعلني أزيد من التخيلات ومن الفانتازيا التي أحبها، وهي لا تأتي ولا ينزل وحيها إلا حين تجد من يتفاعل معها ويحب قراءتها أو الاستماع إليها.
□ «طائر التلاشي» الرواية التي تميزت بفرادة فكرتها وتكامل الإمكانية البنوية للمتن، ما الذي تمثله للشمسي كروائي؟
-طائر التلاشي هي البداية والجرس الأول الذي دق في جمجمتي وما زال يدق، مرات أقع مغمى عليه وحين أفيق أكتب بعمق، ومرات أجدها لا شيء وكأنها كابوس مرعب، ربما أضيع من خلاله.
هموم وطن
□ هل يعيش الروائي بسلام، في تقلبات المجتمع وأزماته التي تهدم روح المثقف والعادات التي تعارض الثقافة والحداثة؟
-الروائي والمثقف عمومًا يجب أن يتحلى بالشجاعة في الطرح دون الخوف من الرقيب، سواء كان هذا الرقيب حكوميًا أو اجتماعيًا، وكذلك يجب أن يحمل هموم وطنه ويحاول أن يعمل على التصحيح.
الأدب والكتابة ليسا تسلية وقضاء وقت، الأدب والكتابة رسالة مهمومة إذا صح التعبير، لا يحملها إلا صاحب قلب كبير وفكر عظيم.
□ ما هو العمل القادم، هناك فضول يقض أفكاري وأنا قارئة شغوفة؟
- إن شاء الله أعمل على إتمام مخطوطة مجموعة قصصية بعنوان (إنكيدو إنكيدو) وهي ربما جاهزة للطباعة. وهناك مخطوط رواية بعنوان (ثلاثة عشر يومًا من حياة حمامة) خلصت ستة أيام وباقي سبعة أيام منها.
□ هل برأيك أن الأدب الذي ينقل أفكارًا غير واقعية كالرعب والخيال العلمي، هو مستهلك وليس مأهلا للطرح بالضرورة؟
- في روايتي طائر التلاشي قال أحد النقاد عنها: صحيح هي رواية فانتازية وفيها من الخيال العلمي الكثير ولكنها واقعية لأنها تجسد صورة واقعية بأسلوب فانتازي، ويمكن القول: الفانتازيا الواقعية على غرار الواقعية السحرية التي جسدها ماركيز في معظم رواياته وخصوصًا في (مئة عام من العزلة).
□ لديك أسلوب سردي، يأخذنا في مشوار مختلف عما نراه في حياتنا من مشاهد ولكنه يرمز إلى أبرز القضايا التي نعيشها كما في روايتك «يد القمر». هل الرمزية تجعل الإنسان يعيش حالة من التشويق في القراءة؟
-الرمزية مدرسة من مدارس الأدب المهمة والقديمة، وحسب رأيي المتواضع: أن لم يكن هناك رمزية في أي عمل أدبي ليس هناك أدب بالمرة. يفسر البعض بأن الرمزية جاءت؛ لكي تحمي الأديب الفنان من الرقيب، وهذا تفسير غير صحيح. الرمزية موجودة حتى في الكتب السماوية، وهي تعطي التشويق والعمق في وقت واحد، حيث يمكن للمتلقي أن يعطي تفسيرات مختلفة للعمل الأدبي ليس بالضرورة أن يكون المعنى الذي يهدف له صاحب العمل.
• في الختام نشكر هذه الفسحة الرحبة للحديث معك وشكرًا والف شكر.
-الف شكر لكم وأتمنى لكم حياة سعيدة وزاخرة بالأدب... والف شكر مرة أخرى.