وداعاً يا سيدة نساء العالمين

حسين الصدر

 

-1-

الزهراء البتول فاطمة قِمةٌ رسالية شامخة، اجتمعت في شخصها شُمّ المكارم، وتضوعت سيرتها المباركة بعبير الأمجاد والفضائل حتى أصبحت سيدة نساء العالمين.

-2-

سميت فاطمة لأن الله فطمها وفطم محبيها من النار.

وقد ورد في الأخبار:

أنها تلتقط محبيها يوم القيامة كما يلتقط الطير الحَبّ الجيد من الرديء.

ومن هنا:

كانت أمنية كل مؤمن محب لبضعة النبي (ص) التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها أن يكون مِنْ ضمن مَنْ تلتقطهُ الزهراء (ع) يوم الدين ليكون من الناجين الفائزين بالجنة.

قال كاتب السطور:

يا ربّ متى أَجِدُ البشرى

بِالعتقِ مِنَ النارِ الكُبرى

مالي في الدنيا مِنْ زادٍ

وَشَفيعي حُبيَ للزهرا

-3-

ومما أبكى القلوب قبل العيون رحيلها (ع) عن سطح هذا الكوكب -وهي في ريعان شبابها- مهضومة مقهورة، جرّعوها من الغصص والآلام ما ناءت بأعبائهِ الثقيلة وضجّت مِنَ الأوجاعِ الرهيبة، ومنعوها حقها فأوصت أن تُدفن ليلاً، وأن تُخفى معالم قبرها لئلا يشارك ظالموها في مراسم تشييعها.

-4-

كان الفاصل الزمني بين استشهادها وبين وفاة والدها الرسول (ص) خمسة وسبعين يوماً -بناءً على الرواية الثانية- وهي أول أهله لحوقاً به.

وهي القائلة:

صُبتْ عليّ مَصائِبٌ لو أنها

صُبتْ مع الأيامِ صرنَ لياليا

-5-

ولا تتسع هذه المقالة العجلى لاستعراض الكثير من مواقفها وخطبها الكاشفة عن عمق استيعابها لمفاهيم الإسلام وأحكامه، والتي تميّزت ببلاغتها العالية ومضامينها السامية، وكيف لا تكون كذلك وهي التي عاشت الإسلام بكل ذرة من ذرات وجودها، وواكبت مسيرته منذ فجره الأول؟

-6-

وقد عبّر أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) عن شدة حزنه وفجيعته باستشهاد الزهراء (ع) ببيتين بقيا يرنان في سمع الزمن:

نفسي على زفراتها محبوسةٌ

يا ليتها خرجت مع الزفراتِ

لا خيرَ بعدكِ في الحياةِ وإنما

أبكي مخافةَ أنْ تطولَ حياتي

لقد اختصر (ع) ملاحم الشجن والأسى بهذين البيتين، وكشف عن هول المصاب العظيم بالزهراء البتول، هذا المصاب الذي شكّل جرحاً لا يندمل، وسعّر نار الفجيعة في قلوب المؤمنين إلى يوم الدين.