الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الخروقات الأمنية في أمريكا

بواسطة azzaman

الخروقات الأمنية في أمريكا

محمد علي الحيدري

 

في يوم واحد فقط، 10 سبتمبر 2025، وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام مشهد مزدوج من العنف: محاولة اغتيال لوجه سياسي بارز في ولاية يوتا، وإطلاق نار دموي داخل مدرسة ثانوية في كولورادو. الحادثتان، رغم اختلاف السياق، تكشفان عن خلل أمني متجذر، وتضعان المجتمع الأميركي أمام مرآة انقساماته الحادة وتحدياته الأمنية المستعصية.في يوتا، أصيب الناشط المحافظ المعروف تشارلي كيرك، مؤسس منظمة Turning Point USA، برصاصة في الرقبة أثناء مشاركته في حدث جماهيري بجامعة يوتا فالي. ما جرى لا يعكس فقط هشاشة الإجراءات الأمنية في الفعاليات السياسية، بل يؤكد كيف بات الاستقطاب الأميركي يترجم نفسه إلى تهديد مباشر للحياة العامة. أما في كولورادو، فقد أُصيب ثلاثة طلاب على الأقل في إطلاق نار داخل مدرسة إيفرغرين الثانوية، لتُضاف هذه المأساة إلى أكثر من 300 حادثة عنف مدرسي سجّلتها البلاد في عام واحد فقط.أمنياً، يُظهر المشهد عجزاً مؤسساتياً عن التوازن بين الحرية الفردية وحماية المجتمع. في حالة كيرك، تساءل كثيرون عن جدوى الحراسة إذا كان المهاجم قادراً على تجاوزها بسلاح قاتل. وفي كولورادو، تكررت الأسئلة القديمة: كيف يصل سلاح ناري إلى داخل مؤسسة تعليمية رغم كل التحذيرات والإجراءات الوقائية؟ هذه الثغرات تغذي جدلاً مستمراً حول الحاجة لتشديد الرقابة على الأسلحة، مقابل الإصرار على التمسك بالتعديل الثاني للدستور الذي يضمن الحق في حملها.

سياسياً، لا يمكن فصل الحادثتين عن الانقسام الأميركي الراهن. فكيرك حليف مقرب من الرئيس دونالد ترامب، وصعوده كصوت يميني شاب جعله هدفاً محتملاً في بيئة سياسية محتقنة. استغلال ترامب للحادثة في خطابه، عبر تحميل “الفوضى اليسارية” المسؤولية، قد يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد السياسي، في حين يرى الديمقراطيون أن ما جرى يثبت فشل سياسات اليمين في كبح انتشار السلاح. أما حادثة كولورادو، فقد أعادت إلى الواجهة صراعاً مألوفاً: الجمهوريون يتمسكون بحق الدفاع عن النفس، بينما يطالب الديمقراطيون بفرض قيود أشد لحماية المدارس.

هذه التوترات الداخلية تعكس أزمة أعمق في البنية السياسية والاجتماعية الأميركية. فالعنف لم يعد مجرد فعل فردي، بل بات يتغذى من الانقسام الحزبي والاستقطاب الإعلامي، مما يهدد النسيج المجتمعي ويزيد من هشاشة المؤسسات. كما أن انشغال واشنطن بمثل هذه الأزمات قد يحد من قدرتها على إدارة ملفات خارجية، ويجعل أولوياتها متركزة أكثر على الداخل.

في النهاية، تكشف الحوادث عن أزمة تتجاوز حدود يوتا وكولورادو. الولايات المتحدة، رغم قوتها الاقتصادية والعسكرية، تواجه معضلة داخلية تهدد استقرارها اليومي. والأمن، في مثل هذه السياقات، لا يتحقق بالقوة وحدها، بل يتطلب توافقاً سياسياً واجتماعياً يقطع الطريق على الانقسام والعنف.

 


مشاهدات 124
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/09/13 - 11:38 AM
آخر تحديث 2025/09/13 - 1:39 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 434 الشهر 9030 الكلي 11926903
الوقت الآن
السبت 2025/9/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير