الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
النزاهة والمال الحرام.. تجربة موظف

بواسطة azzaman

النزاهة والمال الحرام.. تجربة موظف

وليد خليفة هداوي الخولاني

 

دخلت في خدمة بلدي منذ ان كان عمري 17عام، اذ التحقت بكلية الشرطة عام 1964، وتخرجت منها برتبة ملازم شرطة عام 1967، ثم درست الإحصاء والدبلوم العالي، ومنعت من اكمال دراسة الدكتوراه في زمن النظام السابق، بحجة انتماء أحد اخواني لحزب ممنوع بوقته. تدرجت في الوظيفة حتى رتبة عميد، وقبل ترقيتي لرتبة للواء ب 6أشهر احلت على التقاعد لنفس السبب أنف الذكر. وبعد سقوط النظام البائد أعدت الى الوظيفة برتبة لواء عام 2004، كمديرا للإحصاء ثم المدير العام للتخطيط والمتابعة بالوكالة، وتم تمديد خدماتي لسنتين متتالية، حتى احلت الى التقاعد عام 2012، وقد بلغ عمري 65سنة. انفقت خلال ادارتي للتخطيط والمتابعة ومن عام 2006-2010 (812 مليار دينار) على مشاريع الخطة الاستثمارية، لم تمتد يدي لمال الدولة، اذكر في احدى المرات احتجت الى (واير سيار) بسعر 6 الاف دينار، وكنت قد اوصيت العائلة بشرائه من الأسواق، وكان ذلك في زمن الإرهاب فتعذر عليهم الذهاب للسوق خشية على حياتهم، وكان لدي في الدائرة عدد منها وفرت من النثرية المخصصة للدائرة، فوضعت واحدا منها في حقيبتي محاولا اخذه للبيت، ثم ترددت وقلت ان هذا سيحرق البيت، فأخرجته فورا واعدته لمكانه. ولا اريد ان اذكر المبلغ الذي أراد أحد المتهمين بجريمة قتل عندما كنت برتبة نقيب ان يرشيني به مقابل تمزيق اعترافه، وكان المبلغ يكفي لشراء دار بوقته ورفضت المبلغ وتم اتخاذ الإجراءات والحكم على المتهم.

 أحلت الى التقاعد وانا الان اسكن بالإيجار ولا املك دارا في بغداد. وهذا أعتبره شرف كبير بالنسبة لي، فغدا سأقابل ربي بوجه ابيض، فالدنيا دار فناء وليست دار بقاء. انا الان أشرفت على الثمانين من العمر، وغدا او بعدغد سأغادر هذه الدنيا لاستقر في حفرة، تلك الحفرة هي داري. وسيسالني منكر ونكير عن كل دينار ملكته، من اين جمعته وفيم انفقته، لا اريد كلمة ثناء من أحد، كما لا اريد ان اتظاهر كي اتفاخر، انما اريد ان أقدم نصيحة وشهادة للعصر وحكمة لمن يريد ان يتعظ وان تصل نصيحتي وتجربتي لكل من  تمتد  يده للمال الحرام قبل ان تبلغ روحه الحلقوم وعندها "لات ساعة مندم" ، وان ما يحز في نفسي وما دفعني للكتابة، ما اسمعه كل يوم من كلام الناس، ان أخو الوزير الفلاني وابن النائب الفلاني واخر يعمل في المنفذ الفلاني واخر يعمل في دائرة جباية كذا، ما بين ليلة وضحاها: تملكوا الشقق والدور والسيارات الفارهة.( تقرير هيئة النزاهة لعام 2024حول تصنيف الموظفين حسب الدعاوى الجزائية وفقا للمنصب الوظيفي:44 وزير ومن هم بدرجته ،338ذوي الدرجات الخاصة ومدراء عامون ومن هم بدرجتهم،19917دون ذلك) ويا اسفي عليهم هل فرحوا بما ملكوا، وهل قرّت اعينهم وهم ينامون في دار اشتروها لقاء رشوة او اختلاس او تزوير. هنالك مثل  يقول "الشاطر الي يملا السكلة ركي" ، البعض يدعو كل من تطول يده المال الحرام ليسرق قدرما يستطيع ، ليؤمن مستقبله، ضاربا عرض الحائط كل مقاييس الشرف والكرامة وعزة النفس ومخافة الله.

كنت مع زوجتي في سيارتي موديل 2011 اشتريتها من مكافأة نهاية الخدمة نسير في منطقة المنصور في بغداد، وهي تنظر الى العمارات التجارية والعمارات السكنية وهي تشق عنان السماء. قالت: ماذا دها الناس من اين لهم كل هذه الأموال لبناء هذه العمارات المتزاحمة وكم تكلف كل عمارة ومن اين جاؤا هؤلاء المستثمرون بالجملة. والله ما يهنا سارق بمال كسبه من حرام، وما يهنا مرتشي بمال سحت، وما يهنا مختلس بمال اختلسه، الحلال بيّن والحرام بيّن، مادامت أكف المحرومين والفقراء ومن لا يجدوا رغيف خبز يابس، تتضرع الى الله ولها عنده "حوبة"، ولهم في هذه الأموال نصيب ،اما وان كان البعض منهم قد رزقه الله رزقا حلالا طيبا وكسب المال بعرق جبينه ، نقول له بوركت فيما رزقت ، وزادك الله من فضلة فإن الله يرزق من يشاء بغير حساب ،اما وان يكون قد حصل على المال من باب حرام ، من رشا او تزوير او اختلاس او خيانة او سرقة ،نقول له: لا تهنأ فستدفع ثمن كل دينار كسبته من عافيتك وسمعتك واهلك فأن الله يمهل ولا يهمل، تمهل ولا تتعجل فان العقاب قادم ، ولو بعد حين . واقول لكل نزيه اؤتمن على مال عام في منصب او وظيفة وحافظ عليه ان ابشر برضوان الله  فان الله قد أوصى بالحفاظ على الأمانة كما ورد في سورة الأنفال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝٢٧﴾ (الأنفال: 27).


مشاهدات 395
الكاتب وليد خليفة هداوي الخولاني
أضيف 2025/09/02 - 3:23 PM
آخر تحديث 2025/09/05 - 7:01 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 207 الشهر 3192 الكلي 11421065
الوقت الآن
الجمعة 2025/9/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير