الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
القتل والإنتحار في معيار العلم الجنائي

بواسطة azzaman

القتل والإنتحار في معيار العلم الجنائي

أكرم عبد الرزاق المشهداني

 

تقع بين حين وآخر حوادث جنائية بوفاة مشتبه بها ما بين القتل والانتحار. فإن من مهام الطب الشرعي ان يكشف الأدلة الفارقة بين المقتول والمنتحر. وتبقى بينهما أمور ملتبسات، تشكل لغزاً لرجال الأمن والتحقيق والقضاء والأدلة الجنائية. فبداية الأمر تشير الأدلة أن هناك قضية انتحار، ولكن قد تنقلب هذه الأدلة بتقرير الطب الشرعي لتتحول من قضية انتحار الى جريمة قتل وشبهة جنائية، والعكس صحيح.

 لقد تطورت العلوم الجنائية وبخاصة علوم الأدلة الجنائية خلال العقود الأخيرة تطورا ملموسا، باستخدام التطبيقات الآلية واعتماد النظريات العلمية والأجهزة الساندة المتطورة، وأصبح تطبيق العلم الجنائي يوفر معلومات خلال التحقيقات في حالات الانتحار المشبوهة، ليس فقط عمّا حدث عند ارتكاب الجريمة، وإنّما أيضاً ما لم يحدث، كلّ ذلك باستخدام الأساليب العلمية، والأدلة المادية، والمنطق الاستنتاجي، وعلاقاتها المتبادلة. وما إن ينتهي الخبراء الجنائيون من استنتاجاتهم، استناداً إلى هذا التحليل العلمي، حتّى يتم تسليم التقرير إلى المحققين وهو ما قد يُغيّر في بعض الأحيان من مسار التحقيق بأكمله. إذ تُساعد هذه الاستنتاجات على تأكيد أو استبعاد فرضية الانتحار، إعادة بناء الجريمة، تأييد إفادات الشهود أو حتّى دحضها، والأهم إدراج أو استبعاد الجناة المحتملين من التحقيق. لهذا الغرض، في حالات الانتحار المشبوهة، على الخبير أن يناقش ثلاث فرضيات: الانتحار، الموت العرضي، والقتل. لتبيان الحقيقة، حيث على الخبير إجراء كل التجارب العلمية اللازمة واستعمال التحليل الجنائي لمعرفة الفرضية التي تتطابق مع ظروف الجريمة والدلائل المادية للقضية. فيكون «الانتحار» هو نتيجة وخلاصة علمية وليس تكهنات وتحليلات استباقية، الأمر الذي قد يُضلل التحقيق. كي لا تضيع الحقيقة، وكي لا يفلت القاتل، من المفترض التحقيق في مشهد الوفاة بشكل دقيق وشامل والابتعاد عن الاحكام المسبقة والتحليلات غير العلمية لتحديد ما إذا كانت وفاة شخص ما انتحارًا أم قتلًا. غالبًا ما تكون حالات الانتحار والقتل مع سبق الإصرار، لكن الفارق بين الاثنين هو ما إذا كان قد تم مع سبق الإصرار من قبل المتوفى (الانتحار) أو من قبل شخص آخر (القتل).

المشهد الأوّلي

عندما يُلقي المحققون نظرة على مسرح الجريمة، يجب النظر إلى جوانب مختلفة، بما في ذلك موقع الجثة ووضع السلاح أو أداة القتل والأدلة الأخرى وأي شيء يبدو خارجًا عن المألوف. تشرح المؤشرات الأخرى في المشهد، مثل أنماط تناثر الدم، ومسار الجرح الناتج عن طلق ناري، وحتى علامات صراع أو جروح دفاعية، ما إذا كان المشهد قد تمت فبركته على أنه انتحار.

سبب الوفاة الأساسي

 إضافة إلى التحقيق في مكان وفاة الشخص، فإن النظر في الإصابات الدقيقة التي تسببت في وفاة الشخص يمكن أن تشير إلى ما إذا كان ينبغي استبعاد فرضية الانتحار أو القتل، اذ ان الاستعجال في الحسم يُضلّل التحقيق ويحرف مسار العدالة. ففي بعض الحالات، قد يستنتج القائمون على التحقيق أن المشهد يشير إلى «انتحار»، لمجرد أن القتل لا يبدو واضحًا، الا إن نظرة فاحصة يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في القضية. لا سيما ان هناك العديد من الحالات التي تم فيها تدبير موت شخص ليبدو وكأنه انتحار عن طريق الشنق. مع ذلك، بعد الفحص الدقيق، قد يجد الخبراء أن الضحية تعاني إصابات تشير إلى الخنق اليدوي أو حتى كسر في الرقبة (إصابة نادرة في الانتحار)، ففي حالة الانتحار المحتملة، من المهم دائمًا تعيين خبير جنائي لتحديد ما إذا كانت وفاة الشخص من فعله أو تم تنفيذها بواسطة شخص آخر أو أشخاص آخرين.

تقرير الطبيب الشرعي

تتمثل المشكلة الأساسية في التحقيقات العلمية في جرائم القتل والانتحار في ضعف مهارات التحقيق والاعتماد على الاستنتاجات المتسرعة التي تتم صياغتها بشكل غير مهني وغير علمي من الطبيب الشرعي، بعد معاينة جثة الضحية مباشرة في مشرحة المستشفى. في كثير من الحالات، تبدو تقارير الأطباء الشرعيين متعارضة بشكل مباشر مع محتوى محضر الشرطة، ومع مسار الرصاصة، وكذلك مع بقية الأدلة في مسرح الجريمة. وعلى سبيل المثال، فإن علامات الجروح الدفاعية على يدي الضحية التي تم توثيقها وتصويرها من محققي الشرطة في تقريرهم في إحدى القضايا، قد أغفلها الطبيب الشرعي، وقد ذكر في تقريره أنه لم يلاحظ أي دليل على الاعتداء الجسدي/ العنف على جسد الضحية، هذه العيوب على الأرجح تضلّل تحقيقات ضباط قوى الأمن الداخلي. ينبغي على الطبيب الشرعي أن يحرص على دقة مشاهداته وفحوصه استنادا لأدلة جنائية موثوقة وذات حدود علمية واضحة، ويتجنب إعطاء آراء حول الأدلة خارج مجال خبرته ما يؤدي إلى استنتاجات مضللة تصل إلى حدّ إساءة تطبيق العدالة.

رسالة الانتحار

في التحقيق في انتحار محتمل، يمكن لرسالة الانتحار أن تقدم عدة أدلة بشأن الدافع. هل هناك أسباب نفسية أو خارجية دفعت شخصًا ما إلى الانتحار؟ يمكن أن تشير طريقة كتابة الرسالة أيضًا إلى ما إذا كان المتوفى كتبها باختياره أم بالإكراه، والسؤال الأهم هل هو من قام بكتابة الرسالة فعلاً؟ هناك العديد من الأسئلة التي يجب أخذها في الاعتبار لتحديد ما إذا كانت الوفاة انتحارًا أو تم التخطيط لها لتظهر على هذا النحو. وإذا لم يتم ترك رسالة انتحار أو عدم كتابتها بخط اليد، فإن هذا ليس سببًا قاطعًا للحكم على موت شخص بالقتل وليس انتحارًا، ولكنه يثير تساؤلات.

مخلفات إطلاق النار... الدليل ظرفي!

 يجري الاعتماد بشكل أساسي خلال التحقيقات الجنائية على نتائج «اختبار مخلفات إطلاق النار» على يدي المتوفى والمشتبه بهم. وجود مخلفات إطلاق النار على يدي الضحية مثلاً يعتبر دليلاُ موثوقاً انها أقدمت على الانتحار، علماً أن سبب وجود تلك الجزئيات يمكن ان يكون سببه قرب الضحية من السلاح الناري اثناء جريمة القتل المفبركة كالانتحار. كما يتم تبرئة مشتبه بهم من جرائم قتل بسبب عدم تواجد تلك الجزئيات على أيديهم، الامر الذي يضلل التحقيق.

 بناءً على ما تقدم لا يمكن تأكيد الانتحار من خلال أوصاف المظاهر التشريحية مالم يؤكد ذلك بنتائج التحقيق والقرار للجهة القضائية وهي صاحبة القرار النهائي.

@ مستشار قانوني وامني


مشاهدات 92
الكاتب أكرم عبد الرزاق المشهداني
أضيف 2025/08/26 - 2:17 PM
آخر تحديث 2025/08/27 - 4:36 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 121 الشهر 19205 الكلي 11414291
الوقت الآن
الأربعاء 2025/8/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير