فاوست.. إستغراق في الخيال واللامعقول والسحر
قاسم المعمار
يحظى الادب الأوربي بالقدر المتميز الرائق من المقبولية التقديرية المتميزة تجاه ذلك الكم والنوع للسم والحدث المقرون بالافكار النفسية العميقة للسيرة الذاتية لشخصية نادرة في سعة موهبتها الثقافية والادبية شعراً ونثراً رغم قدرتها اللاهوتية الغارقة في عالم الخيال .. والتوجس وشبه الحقيقة تمرداً دينياً والقناعة المتلاطمة بين الخير والشر والتعاويذ الموحشة وانواع السحر والشعوذة .
ومن هذا المسار الظلامي يبزغنا الكاتب الالماني «يوهان جوته» الذي كان له الاثر البليغ في الحياة الادبية والفلسفية معاً حيث اطلق اسمه على اشهر معاهد النشر الثقافية في العالم بأسم «جوته» . وهو الذي اشتهر بإصداره (فاوست) الذي ترجمه الى العربية الدكتور عبد الرحمن بدوي.حيث يقدم لنا المؤلف في مسرحيته التي طرحت نثراً أواخر القرن الخامس عشر والذي اشتهر بإستحضار الارواح والسحر والشعوذة مما جعله مطارداً من قبل السلطات وخاصة الدينية . كما رويت عنها الكثير من القصص والروايات الخيالية واللامعقول والمبالغة والانحرافات التي عاشتها هذه الشخصية في تلك الحقب الزمنية من حياته .ان الكاتب «جوته» يعد من ادباء المانيا المتميزين ، ترك ارثاً ضخماً من القصص والروايات والمسرحيات وله باع في الشعر والنثر والفلسفة ، متنوع الاسلوب والطرح واسع الافق متعمقاً في دراساته ..
وعود على بدء الحديث تعد اطلالته الموسومة بـ «فاوست» استغراقاً للبحث والاستجلاء التاريخي لهذه الشخصية الجدلية التي عاشت اواخر القرن الخامس عشر واشتهر بالسحر وتحضير الارواح وافكاراً خارجة عن ارادة الانسان غريبة ومفاجئة ومدهشة ، حيث قام الكاتب المسرحي (كريستوفر) ان يستغل سيرة فاوست ليصنع عملاً مسرحياً باسم (الدكتور فارستوس عام1588) وبعد هذا العمل توالت واتسعت قصة فاوست حتى شملت مناطق اوربا وتناولها الكثير من الكتاب والادباء والشعراء . الى ان جاء «يوهان جوته» بـ (مسرحية فاوست) التي تحولت الى اسطورة تاريخية الى يومنا هذا .
ان مسرحية فاوست كلها تجري في اجواء السحرة والشياطين والارواح وان بطلها نموذج للإنسان الساعي الى المزيد من القوة والكمال بوسائل خارجة عن الطبيعة نحو الخيال والعظمة والمبالغة والتمرد .
ومن هنا لابد لي من الاشارة الى ان هذه المسرحية تعد من ابرز الاعمال الراسخة في الادب الالماني وبتقدير كبار النقاد اكثر كمالاً وعمقاً في السباكة واللغة وتواصل الجمل وترابط الفواصل وسعة الادراك وتكيف الصور البلاغية لخدمة النص .كما وجد في اهداء هذا المؤلف لي من لدن الاديب الآثاري علي صباح ابراهيم الذي اضاف الى مكتبتنا المنزلية الشيء الجديد عن شخصية الكاتب يوهان جوته صاحب مسرحية فاوست التي حملت الكثير من السمات والشمائل (ان فاوست الانسان الساعي الى المزيد من القوة والكمال بوسائل خارجة عن الطبيعة هي ما يعرف بالسحر . وانه استعان بالشيطان ومن لف لفه من الجن) .
فيما يحدد الكاتب (فاليجان) شخصية فاوست الاسطورية عبر ثلاثة مراحل هي : مرحلة اختلاط التاريخ بالاكاذيب .ومرحلة بداية اسطورة فاوست وهو لايزال حياً .و مرحلة انتقال الاسطورة من الشفاه الى سجلات الكتب قبل تحرير الكاتب الشعبي لكاتب مجهول حول نشأة فاوست . فيما قدم الكاتب (فدمن) بتحرير رواية عن حياة فاوست واستثمر الشاعر الانكليزي (كريستوفر مارثو) ان يكتب من اجل اعماله الادبية هي «مسرحية مارلو»عن سيرة فاوست وبعدها توالت كتابة سيل من المسرحيات عن هذه الشخصية الغريبة ما ياقرب (41مسرحية) قبل ظهور مسرحية «جوته» عن فاوست وذلك عبر المسارح الجوالة الشعبية والعرائس .اذن هذا الاطار الضخم في (600 صفحة) عبارة عن الترابط الوثيق للكاتب يوهان جوته وشخصية فاوست الغريبة الاطوار وما كتب عنها ووثق .
وقد لمحت ان هنالك اشارات لدى البعض الى ان شخصية فاوست هي من وحي الخيال وهي ليست حقيقية لما يتمثل فيها الشيء الكثير من الهلوسة الفكرية واللامعقول في حياة الانسان وممارساته فوق القدرة والذكاء والطاقة .. اذن هي شخصية افتراضية مفتعلة برأيهم . وهذا الرأي عاري عن الصحة والحقيقة كون الكاتب يوهان جوته قد ذكر تفاصيل حياة شخصية فوست عبر مسرحيته وما قيل عنها من لدن كتاب وشعراء معروفين عالميين حول ولادة وعيشة وحياة فاوست السكنية ونهايته الحياتية عبر سلسلة من التجاذبات اللامعقولة والايهامات السحرية . فهو ولد في أواخر القرن الخامس عشر وتوفي في سنة 1543 وكان لديه ابن عم غني تولة تربيته وعامله كأبن له وجعله وريثه لأنه كان لايملك ابناً .
ومما تجدر الاشارة اليه ان فاوست درس اللاهوت وحصل على شهادة الدكتوراه فيه . وهذا ما يدلل على منهجية وواقعية العمل السردي للنص المسرحي المذكور آنفاً .