ربط كهربائي

سدير فاروق الراوي

في ليلة باردة من شتاء بغداد، كان أول ضوء كهربائي يسطع في شوارع العاصمة مثل وعد بالمستقبل. لم يكن مجرد إنارة، بل رمزاً للأمل والنهضة، إشارة إلى بداية رحلة طويلة للكهرباء في العراق، رحلة بين الطموحات الكبيرة والأزمات المتكررة، لتصبح اليوم محور نقاش شعبي وسياسي على حد سواء.

أولى الشرارات: الكهرباء تدخل الحياة اليومية.. في عشرينيات القرن الماضي، بدأت بلدية بغداد وشركات أجنبية صغيرة بتشغيل أولى المحطات الكهربائية. كان استخدامها محدوداً، مقتصراً على إنارة الشوارع والمباني الحكومية، لكنها وضعت حجر الأساس لشبكة وطنية مستقبلاً. ومع توسع العاصمة وازدياد الطلب على الطاقة، بدأت الدولة بالتخطيط لتوسيع الشبكة لتشمل المدن الكبرى والمناطق النائية تدريجياً.

الطفرة النفطية: نور ينير كل بيت

مع صعود النفط في السبعينيات، انطلقت مشاريع ضخمة لإنشاء محطات توليد حرارية وهيدروليكية وربط معظم المحافظات بالشبكة الوطنية. الكهرباء تحولت من رفاهية حضرية إلى ضرورة يومية، إذ أصبح النور في البيوت والمدارس والمصانع مؤشراً على التقدم والازدهار، وشرياناً أساسياً للنمو الاقتصادي والاجتماعي.

الحروب والعقوبات: عندما يخبو النور

لم يمض وقت طويل حتى ضربت الحروب قطاع الكهرباء. الحرب العراقية–الإيرانية، ثم حرب الخليج الثانية، إلى جانب العقوبات الاقتصادية، أسقطت حلم الكهرباء المستقرة. المحطات دُمرت، الشبكات تعطلت، وأصبح المواطن العراقي يعيش أزمة انقطاع التيار يومياً، بما يؤثر على حياته اليومية وأعماله وخدماته الأساسية.

بعد 2003: إعادة البناء بين الطموح والواقع

بعد سقوط النظام عام 2003، أطلقت الحكومات العراقية خططاً طموحة لإعادة تشغيل الشبكات وتطوير القطاع، مستفيدة من الموازنات الكبيرة والاستثمارات الأجنبية. لكن التحديات بقيت قائمة: فساد، هدر، ضعف الصيانة، واعتماد كبير على الوقود المستورد، مما جعل الكهرباء اليوم أحد أبرز الملفات الساخنة التي تؤثر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

المستقبل: نور جديد في الأفق

يشير الخبراء إلى أن الطاقة المتجددة، مثل الشمسية وطاقة الرياح، إلى جانب الربط الكهربائي مع دول الجوار، يمكن أن تكون مخرجاً لأزمة الكهرباء الوطنية.

لكن النجاح الحقيقي يعتمد على الإدارة الرشيدة والقدرة على تحويل الخطط الكبيرة إلى واقع ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية..