لمـاذا آمن الجواهري بمآثر الامام الحسين ؟
رواء الجصاني
* جاءت قصيدة "عاشوراء" للجواهري عام 1935 لتوثق العديد من الاحداث التاريخية، الثورية والماساوية لمآثر الامام الحسين، وكان الجواهري انذاك في عقده الثالث، ثم قد هدر بعد مرور اثني عشر عاماً، بعصماء "امنت بالحسين" التى فاضت بالتعبير عن المواقف والمفاهيم الطافحة بالإباء والشموخ، والممجدة للفداء والتضحيات، كما هي الحال في الفرائد الجواهرية العديدة، وان اختلفت في الصور والاستعارة وافتتحها:
فـداء لمثـواك من مضـجـعِ... تـنـوّر بـالابلــج الأروعِ
ورعياً ليومـك يوم "الطفـوف"... وسـقياً لأرضك من مصرع
تعـاليت من مُفـزع للحتـوف... وبـورك قبـرك مـن مَفزع
* وفي مقابل ذلك تماماً، لم يجامل الشاعر الكبير أو يتهاون في هجو الخنوع والانحناء، وأولئك المقيمين على الــذل، بل وحتى من يتوسط "كاللبن الخاثر" وغيرهم من اللاجئين "لأدبار الحلول فسميت وسطاً، وسميّ أهلها، وسطاءَ"..
* ولربما نجتهد، ونصيب، فنرى في "آمنت بالحسين" مجمعاً للشواهد والأدلة الأبرز على الرؤى الجواهرية المتميزة، وبمقاييس بالغة الرفعة في تبجيل "الواهبين النفس" فداءً للمبادىء التي يؤمنون بها، وتلكم بلا شك هي التضحية الأضخم للدفاع عن القيم والذود عنها، كما يرى صاحب "آمنت بالحسين"...
* وفي مقاطع تالية من العصماء ذاتها يستمر الجواهري في الاتجاه الذي يريد اشاعته عن تضحيات الحسين الثائر و"نهجه النيّـر" الذي بات "عظة الطامحين العظام" لاولئك "اللاهين عن غدهم" والقنوعين دون احتجاج وتمرد أو ثورة.. كما يفيض عديد آخر من أبيات القصيدة بعواطف ومشاعر انسانية فائقة التعبير في تقديس الثبات والصمود لرجل يوم "الطفوف" و"الملهم المبدع" الثابت أمام "سنابك خيل الطغاة" دون خوف أو رهبة... وبهدف أن يُطمر "جديب الضمير بآخر معشوشب ممرع" :
شممتُ ثـراك فهب النسيم... نسيم الكرامـة من بَلقـعٍ
وطفت بقبرك طوفَ الخيال... بصومعـة المُلهـم المبدع
تعـاليت من صاعق يلتظي... فـان تـدجُ داجية يلمـع
* ثم يروح الجواهري ليتمثل مأثرة الحسين التاريخية، و"يمحص" الأمر دون أن يرتهب من "الرواة" أو يخدع بما ينقلون، ويمضي هادفاً للحقيقة لا غيرها، وبدون "تزويق" أو مبالغات... وبعد ذلك فقط، يجد الشاعر أن في فداء الحسين دفاعاً عن مبادئه، وقائع لا أعظم منها، وهو "أن يطعم الموت خير البنين، من الاكهلين الى الرضع "... ثم يحل مسك الختام، فتجدد القصيدة تقديس ذلك الصمود والعطاء الذي "نوّر" من ايمان الجواهري، وفلسفته في الإباء والفداء، والتي تجسدت، كما سبق القول، في الكثير من قصائده ومن بينها: "سلام على مثقل بالحديد - 1951 " و"بور سعيد – 1956" و " جزائرُ يا كوكبَ المشرقَيـن " منتصف الخمسينات الماضية و"كردستان - موطن الأبطال- 1962" والى "اطياف الشهداء الخالدين- 1963" و"فلسطين الفداء والدم - 1970" وغيرها من فرائد ..
تمثلـتُ يومـك في خاطـري... ورددت "صـوتك" في مسـمعي
ومحصـت أمـرك لم "ارتهب"... بنقـل "الرواة" ولـم أخــدع
ولما ازحـت طـلاء "القرون"... وسـتر الخـداع عن المخـدع
وجدتـك في صـورة لـم أُرعْ... بـأعـظــمَ منهـا ولا أروع
* وللاستزادة، نقول بأن قصيدة "امنت بالحسين" المتفردة في المبنى والمعنى، والرؤى، نشرت في جميع طبعات ديوان الجواهري، ومنذ العام 1951، وقد خُط خمسة عشر بيتاً منها بالذهب على الباب الرئيس للرواق الحسيني في كربلاء، كما أُنُشدت، وتُنشد، في مختلف المجالس والمناسبات الاحيائية لواقعة "الطف" التي تصادف كما هو معروف في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم، وكذلك في اربعينية استشهاد الامام الحسين كل سنة..
* رواء الجصاني- رئيس مركز الجواهري الثقافي