المحاصصة .. عائق الدولة الأكبر منذ 2003

كامل الدليمي

منذ اللحظة الأولى التي وُضع فيها الدستور العراقي عام 2005، وبطريقة متسرعة، بدا واضحاً أنه لم يكن وثيقة جامعة لبناء دولة مدنية قوية، بل أصبح أداة لترسيخ الانقسام المذهبي والقومي والعرقي. فقد تم التأسيس لنهج المحاصصة، حيث يُقسَّم النفوذ والمناصب على أساس الانتماء الطائفي أو القومي، لا على أساس الكفاءة والمقدرة.

هذا النهج ضرب فكرة الدولة الحديثة في العمق، وحوّل مؤسساتها إلى حصص موزعة بين القوى السياسية، بدل أن تكون أذرعاً لخدمة المواطن. فالمناصب لم تعد تأتي عبر التنافس على أساس البرامج والإصلاح، بل عبر التفاوض وتقاسم النفوذ.لقد حذرنا مبكراً من أن الاستمرار في هذا الطريق سيجعل أي مشروع لبناء الدولة مجرد شعار فارغ. وطالبنا بإعادة النظر في فقرات أساسية من الدستور، وإصلاح النظام السياسي بما يعيد الاعتبار لمبدأ المواطنة، إلا أن هذه الدعوات كانت تصطدم برفض واسع من المستفيدين من بقاء الوضع على ما هو عليه. واليوم، وبعد مرور أكثر من 22 عاماً على التغيير، ما زالت الدولة تراوح مكانها. كل ما يتحقق من إنجازات لا يتجاوز كونه حلولاً آنية لتجاوز أزمات متكررة، دون أي رؤية استراتيجية أو خطة تنموية شاملة تضع العراق على طريق الاستقرار والازدهار. إن أي إصلاح حقيقي يبدأ من إنهاء نظام المحاصصة، واعتماد الكفاءة والمهنية في إدارة الدولة، وفصل القرار الوطني عن الانتماءات الضيقة. فالدولة لا يمكن أن تُبنى على أسس الولاء للطائفة أو القومية، بل على أساس الولاء للعراق وحده. المرحلة القادمة تتطلب شجاعة سياسية، واستعداداً لمغادرة المنطقة الرمادية، وإرادة جماعية لإعادة صياغة مشروع وطني شامل، يضع مصلحة العراق فوق جميع الاعتبارات. وإلا فإننا سنبقى ندور في الحلقة ذاتها، ونتفرج على قطار التنمية وهو يمر من أمامنا دون أن نصعد إليه ، والجميع يتحدث عن أسباب ولا يجزيء على معالجتها !!! العراق بحاجة إلى رجال قرار قادرين على انتشاله من مثلث الصراعات والمناكفات إلى طريق العمل والنهوض .