الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
باب النبي جرجيس ومقهى الشعارين

بواسطة azzaman

باب النبي جرجيس ومقهى الشعارين

نزار محمود

 

في قلب مدينة الموصل القديمة يقع جامع النبي جرجيس، وفي منطقة سكنية تتداخل فيها اسماء الأماكن والحارات، بين منطقة باب النبي، وسوق الشعارين، وازقة النصارى، وحوش الخان وعمو البقال وباب الجبلين وغيرها من أسماء أزقة وحارات.

في هذه المنطقة التي عانت من آثار الحصار والتدمير، كثرت فيها المطاعم والمقاهي الشعبية والثقافية التراثية، حيث يتزاحم فيها الرواد من كل حدب وصوب من المدينة، وكأنك في كل أمسية تعيش اجواء مهرجان شعبي كبير.

هذه المنطقة، بكل بساطتها وبواجهات كثير من دورها ومساكنها العتيقة المهدمة لها سحر جذب خاص لأناس وجدوا فيها الأنس والراحة والبساطة، وغاب فيها الغلاء وارتفاع الاسعار.

ومقهى الشعارين، القريب من جامع النبي جرجيس والمقابل لمجمع الكنائس، واحد من حاناتها التي تستقبل على مقاعدها الخشبية البسيطة روادها ببساطتها وتقدم لهم المشروبات الشعبية من ماء وشاي وحامضنوم” البصرة وغيرها. كما انها تجاور مطعم شعبي ومتعاونة معه في تناول وجبات الطعام المختلفة منذ الصباح وحتى المساء.

ان ما يشيع السعادة في هذه المنطقة وحاناتها ومطاعمها الشعبية هو روح البساطة والتآلف بين الناس وكأنك وسط  اهل واقارب واصدقاء ومعارف لا تحتاج الى التكلف في الحديث معهم.

تتعرف على اصحاب هذه الحانات وتغدو صديقاً لهم منذ الايام الاولى، بعرفونك ويحيونك وتستأمنون بعضكم البعض في حكايات واسرار وحاجيات.

مقهى الشعارين:

في زيارتي الأخيرة للموصل، حيث اتخذت من شقة قريبة لجامع النبي جرجيس سكناً لي، اعتدت الجلوس في مقهى الشعارين القريبة من الجامع وشقتي، على الشارع وفي ركن الطريق المحاذي والمقابل لسياج الجامع الجنوبي. اصبحت المقهى بالنسبة لي، صالون جلوس، لا بل ومكان تناول فطوري الصباحي المتنوع بين شوربة العدس والبيض المقلي والمخلمة ولم يتعداها الى التشاريب والقولات والباقلاء بالدهن الحر.

خلال هذه الفترة القصيرة ربطتني علاقة طيبة واخوية مع المشرف على المقهى الرجل الطيب، رياضي كمال الأجسام السابق مروان أبو احمد شقيق البطل الشهيرجميلوالذي تتصدر صورته صالون المقهى، والتي يظهر فيها متقدماً على بطل العراق لاحقاً، علي القيار، وبين روادها البسطاء الطيبين.

في هذه المقهى، حانة الشاي التي نطلق عليهاالجايخانة”، يعمل مساعدان لمروان ابو  احمد، في الوجبة الصباحية شاب في مقتبل العمر كان قد تعرض الى كسور ورضوض بليغة اثر انهيار جدار بناء عليه اثناء الهدم بغية اعادة التعمير، وفي الوجبة المسائية كان يعمل فريد فؤاد، أبو شاهين، وواضح انه ليس ممن احترف مهنة العمل في المقاهي، لكنه يبذل ما في طاقته لكي يلبي طلبات زبائنه ويرضي، استاده، ابو أحمد. سألته يوماً عن سبب تسميته بفريد، وأنا افكر بالمطرب والموسيقار فريد الأطرش، فاجابني، بأن والده من عشاق فريد الأطرش، حتى أنه أقام له مجلس عزاء يوم توفى! ذهبت أبعد ممازحاً، بعد أن توطدت علاقتنا ومحبتنا وتقديرنا لبعض: ولكن قل لي يا فؤاد: هل تستطيع ترديد وتقليد فريد في أغانيه؟ قال، لا، وضحكة بريئة تخرج من فمه.

لقد كنت اتخذت خلال فترة زيارتي من هذه المقهى عنواناً لتواجدي بالنسبة للأصدقاء.

في هذه المنطقة، التي لا تبعد اكثر من مئتين متر عن مكان ولادتي في محلة الكوازين/ رأس الكور، حيث تقوم أقدم مئذنة منذ ايام الفتح الإسلامي لمدينة الموصل، التقي ببعض أصدقاء الحارة والطفولة وقد اشتعلت رؤوسهم شيباً، ويحمل كل منهم حكاية عمره وأسرته.

وكانستار” واحداً منهم، واحداً من المساكين الذي تعرضت عائلته الى شبه إبادة أيامتحرير” الموصل من داعش، حيث أصابت قذيفة مدفعهاون” بيته المقابل لجامع النبي جرجيس وأودت بحياة زوجته وساقي ابنه واحدى عينيه واصابة ابنته بكسور ورضوض كثيرة.

كنت أجلس في المقهى أحدق في عيون ووجوه المارة وهي فرحة رغم تعبها، وسعيدة رغم تواضع وبساطة مساكنها، يسلمون على بعضهم بمعرفة أو غير معرفة، وبالتأكيد لكل منهم حكاية تروى، حتى أنني مازحت صديقاً، وقلت له: لو قدر لي أن أمكث وقتاً طويلاً لتجرأت ان أكون كاتباً مثل نجيب محفوظ واكتب روايات عن حي النبي جرجيس!

مرت أيام شهر الزيارة، وما أسرعها، ودعت النبي جرجيس وأصحابه ومقهى الشعارين بأصحابه ورواده، حملت حقيبة السفر عائداً الى المانيا.

قبل ايام أفرحني اتصال الأخأبو رحمة

  العقارات مجالاً لكسب عيشه، وكنت قد تعرفت به في المقهى، واتاح لي كذلك التحدث الى مروان صاحب المقهى.

تحياتي للطيبين المتحابين.


مشاهدات 70
الكاتب نزار محمود
أضيف 2025/07/16 - 1:48 PM
آخر تحديث 2025/07/17 - 3:36 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 457 الشهر 10979 الكلي 11164591
الوقت الآن
الخميس 2025/7/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير