هواتف الجن الإلكترونية
طه علاء سعود
إن العرب في جاهليتهم كانت تأتيهم هواتف تفعل ما تقوله وتحذّر الذي تطوله، فهي ليست كالهواتف التي عهدناها، بل هي المعنى اللغوي لمدلول هذه الكلمة، ألا وهي الأصوات التي تهتف في مضارِب قوم معينين من دون أن يعرف صاحبها؛ لتنذرهم بخبر قابل أو سوء نازل، فتكون عبرة لمن اعتبر، ورادعًا لمن ازدجر، ويقينًا لمن انتظر، فيتمثل أصحابها بالحيوان، والإنسان، والبنيان (الأصنام).وأصحابها هم الجان، وكانوا يخترقون عنان السماوات؛ لكي يأتون بالأخبار الغيبية، ويهتفون لمن يعاديهم بالسوء القابل، فلم يبرحوا ردحًا من الزمن إلا وانقطعت أخبارهم بشهاب ثاقب بعد ولادة الرسول الأكرم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فمُنعوا من عبور السماوات، ومن أخبارهم: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “بينما أنا نائمٌ عند آلهتهم في الجاهلية فإذا برجل جاء بعجلٍ فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخًا قط أشد منه، يقول: يا جليح أمرٌ نجيح رجلٌ فصيح، يقول: لا إله إلا الله، فوثب القوم فقلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح أمرٌ نجيح رجلٌ فصيح يقول: لا إله إلا الله فقمت فما نشبنا أن قيل: هذا نبي”.لكن، ليس حديثنا اليوم عن هذا الموضوع وإنْ كان هناك ربط مهم، لكن ما أقرب اليوم بالبارحة وما أبعدهُ منها، فمن كان يصدّق قبل انتشار الهواتف الرقمية أنه سيرى العالم من نافذة زجاجية واحدة في الشكل متعددة المشارب، فسُمي هاتفًا؛ لما يقدمه من خدمات تعمل لإيصال الصوت في بدايتها ومن ثَمّ الصورة، فلم يبرح العالم إلا والذكاء الاصطناعي يغزوه بكل مفاصله، من نماذج تتكلم مع الأنسان صورة وصوت إلى الروبوتات التي تنفذ ما يُطلب منها.إذ كان القصد من عنوان مقالي هذا أن الروبوتات لا يختلف عملها عن هواتف الجان، إلا إنها من صنع البشر، وتعمل بعوامل رياضية، على عكس الأول الذي هو طبيعي من صنع الله، وكان يتلبس في أشياء هي جزء من حياة الإنسان، والسؤال هنا إذا كبح المولى عزّ وجلّ جماح هذه المخلوقات، فمن يكبح جماح هذه الآلات التي هي من صنع البشر؟ وما مستقبلها؟ هل ستسيطر على البشرية أم تكون سببًا في تدمير الأرض؟ والسؤال الآخر كيف يمكن أن تُستعمل في جانب الخير ويُجنب عملها عن الشر؟ وإنْ كان عملها إلى الآن في نطاق مقولة “سلاحٌ ذو حدين”.وإذا أردنا أن نحدد السبب في ذلك فهو الأنسان الذي صنع هذا الروبوت لغاية وعمل معين، فيجب على الدول أن تشرع في وضع آلية قانونية تنظم هذه الصناعة، والهدف الذي يُرجى منها، مع طرائق معالجة الأخطاء التي يمكن أن تحوّل هذا الروبوت لسلاح ضد صاحبه.في حين أن الخبراء شرعوا في التطوير والاكتشاف والبحث العلمي في هذا الجانب، فيجب أن يجدوا بيئة خصبة تتمكن من احتوائهم، وتحت دساتير تواكب الحداثة، وشروط يمكن تطبيقها، حتى وإنْ كانت هذه الدول نامية، فعليها أن تبدأ في تطوير أركانها ومفاصلها الحيوية؛ لتواكب الدول المتطورة وإلا ستكون من الدول التي تُلقى لها خردة هذه الآلات أو الأرض التي تُسحق في هذا السباق الإلكتروني.