الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مدني ووطني.. هذا هو مزاج العراقيين

بواسطة azzaman

التغيير القادم

مدني ووطني.. هذا هو مزاج العراقيين

وليد الحيالي

 

شهد العراق منذ 2003 تحولات سياسية كبرى، لكن الثابت الوحيد فيها كان الخذلان الشعبي المتراكم. خذلان تمثل في غياب العدالة، وهيمنة المحاصصة، واستشراء الفساد، وتآكل مؤسسات الدولة أمام سطوة الولاءات الفرعية. وعلى الرغم من التضحيات الجسيمة، ظلت القوى المهيمنة أسيرة رؤية ضيقة للدولة، تتعامل معها كغنيمة لا ككيان سيادي جامع.

لكن شيئًا ما تغيّر.

لقد بدأ مزاج العراقيين يتبدل بصورة لافتة. فجيل ما بعد 2010، خصوصًا، بات يرى أن الأزمة ليست في الأشخاص أو الأحزاب فحسب، بل في المنظومة كلها، في فلسفة الحكم، وفي طبيعة التعاقد السياسي والاجتماعي الذي بُنيت عليه الدولة العراقية الحديثة. لم يعد الشارع العراقي يستسيغ خطاب الطائفة، ولا يقبل بصفقات خلف الكواليس تعيد تدوير الوجوه وتُنتج ذات الخراب.

المزاج العام الآن بات يرفع شعارين مركزيين:

مدنية الدولة، ووطنية القرار.

أولاً: المدنية ليست ترفًا، بل ضرورة وجودية

حين يطالب العراقيون بدولة مدنية، فهم لا يدعون إلى قطيعة مع الدين أو التقاليد، بل يسعون إلى دولة يحتكم فيها الجميع إلى القانون، دولة تقف على مسافة واحدة من الجميع، وتمنح كل مواطن حقه بعيدًا عن انتمائه العرقي أو الطائفي أو المذهبي. المدنية هي البديل الحقيقي للفوضى السياسية والتشظي المجتمعي، وهي السبيل لضمان حقوق الأقليات، والحد من تغوّل السلاح، وإحياء ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.

ثانيًا: الوطنية لا تلغي الهويات، بل تحتضنها

الوطنية الحقة لا تقوم على إلغاء الهويات الفرعية، بل على إدماجها ضمن مشروع وطني عابر للحدود الهشة التي رسمتها الطائفية. العراق لم يُخلق ليكون ساحة صراع دائم بين “مكونات”، بل وطنًا موحدًا فيه تنوع غني يجب أن يُستثمر لا أن يُستغل.

الوطنية ليست شعارًا يرفعه الساسة في الحملات الانتخابية، بل سلوك سياسي واقتصادي وثقافي، يظهر في احترام السيادة، ورفض التبعية، وفي بناء اقتصاد مستقل، وفي إدارة الموارد بما يحقق العدالة والازدهار للجميع.

ثالثًا: نداء التغيير لا يأتي من النخبة وحدها

إن صوت التغيير لا يخرج اليوم من نخب فكرية أو صالونات ثقافية معزولة، بل من ميادين الاحتجاج، ومن قلوب الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن في الحروب والعبث السياسي، ومن أفواه الشباب العاطلين، والخريجين المهمشين، ومن أوجاع الموظف البسيط الذي يرى لقمة عيشه مرهونة بمزاجات الكتل السياسية.

هذا الحراك الشعبي ـ رغم قسوته وتضحياته ـ يمثل لحظة وعي حقيقية، تدفع باتجاه إعادة تعريف الدولة العراقية ومشروعها.

هل تسمع الطبقة السياسية هذا الصوت؟

هنا يكمن التحدي. فالتغيير المدني والوطني لا يمكن أن يتحقق إلا إذا استجابت المنظومة السياسية لمتطلبات اللحظة التاريخية، وتخلّت عن أوهام السيطرة الأبدية، وبدأت بتقديم تنازلات لصالح عقد اجتماعي جديد يُعلي من شأن المواطنة، ويُعيد الثقة إلى الشعب.

إن لم تفعل، فالتغيير قادم لا محالة، لكن هذه المرة، لن يكون من داخل النظام، بل من خارجه، من الشارع، من الشعب الذي أعلن مرارًا وبوضوح: “نريد وطناً”.

الخاتمة

التغيير الذي ينشده العراقيون اليوم ليس ثورة غضب عابرة، بل إرادة تاريخية لن تُهزم. مدني، ووطني، ومتحرر من القيود المصطنعة، هذا هو التغيير القادم، وهذا هو مزاج العراقيين

 


مشاهدات 96
الكاتب وليد الحيالي
أضيف 2025/05/31 - 12:08 AM
آخر تحديث 2025/06/02 - 12:27 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 805 الشهر 2110 الكلي 11136764
الوقت الآن
الإثنين 2025/6/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير