نافذة بيع العملة الأجنبية في العراق.. إشكالياتها وأثرها على النظام المصرفي والمركز المالي للمصارف
وليد الحيالي
تُعدّ نافذة بيع العملة الأجنبية التي يديرها البنك المركزي العراقي إحدى أبرز أدوات السياسة النقدية منذ عام 2004، وتهدف بالأساس إلى تحقيق استقرار سعر صرف الدينار العراقي وتوفير العملة الأجنبية لتغطية احتياجات الاستيراد. غير أنّ هذه الآلية أفرزت على مر السنين جملة من الإشكاليات الاقتصادية والمصرفية، التي انعكست سلبًا على هيكل الاقتصاد الكلي وعلى أداء النظام المصرفي والمركز المالي للمصارف العاملة في العراق.
أولاً: خلل جوهري في الوظيفة التنموية للمصارف
إن اعتماد عدد كبير من المصارف الأهلية على نافذة بيع العملة كمصدر أساسي لتحقيق الأرباح بدلاً من تقديم الخدمات المصرفية التقليدية، كالإقراض وتمويل المشاريع، قد أدى إلى تراجع الوظيفة التنموية للمصارف، وتحولها إلى مؤسسات ربحية مؤقتة لا تواكب التطورات المصرفية الحديثة. وهكذا أصبحت أرباح المصارف انعكاسًا للفروقات السعرية بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازي، وليس ناتجًا عن كفاءة مالية أو إدارة مصرفية فاعلة.
ثانيًا: تأثيرات مباشرة على المركز المالي للمصارف
أدى الاعتماد المفرط على نافذة العملة إلى تعاظم المخاطر التشغيلية والمالية، حيث باتت مراكز المصارف المالية غير مستقرة وقابلة للتذبذب تبعًا لحجم مبيعات البنك المركزي من الدولار. وعند حدوث تغييرات تنظيمية أو سياسية تقيد بيع الدولار، تتعرض المصارف إلى أزمات سيولة، ما يضعف مركزها المالي ويهدد قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين.
ثالثًا: ضعف الرقابة وتفشي الفساد المالي
أظهرت تقارير رسمية ودولية عديدة (كالتقارير الصادرة عن ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة) تورط بعض المصارف في تقديم فواتير وهمية أو مضخمة لاستيرادات غير واقعية، بهدف الحصول على الدولار وإعادة ضخه في السوق الموازي لتحقيق أرباح فورية. وهو ما يشير إلى ضعف الرقابة الداخلية والخارجية، وإلى هشاشة البنية المؤسسية والرقابية للقطاع المصرفي.
رابعًا: الآثار الاقتصادية الكلية
على الصعيد الكلي، ساهمت نافذة بيع العملة في تعميق الطابع الريعي للاقتصاد العراقي، من خلال تمويل الاستيراد بدلاً من دعم الإنتاج المحلي. كما أدى ضخ كميات كبيرة من الدولار إلى السوق إلى تعزيز ظاهرة “الدولرة” وتراجع الطلب على العملة المحلية، ما أضعف أدوات السياسة النقدية وأفقدها فاعليتها في ضبط التوازنات الاقتصادية.
خامسًا: سبل الإصلاح
ينبغي النظر في إعادة هيكلة نافذة بيع العملة من خلال الإجراءات الآتية:
1. الحد من الاعتماد على النافذة كأداة رئيسة لتمويل السوق، وقصر استخدامها على استيرادات حقيقية موثقة بمستندات أصلية.
2. فرض ضوابط صارمة على المصارف الأهلية المشاركة، وربط منح الدولار مباشرة بالمستورد الحقيقي وليس عبر وسيط مصرفي غير منتج.
3. تشجيع المصارف على تقديم خدمات مصرفية تنموية كالإقراض الصناعي والزراعي، بدلاً من الاكتفاء بنشاطات تجارية آنية.
4. تعزيز الرقابة المالية والتدقيق اللاحق من قبل الأجهزة الرقابية المستقلة.
5. تنويع مصادر العملة الأجنبية عبر دعم التصدير وتنشيط الاستثمار الأجنبي المباشر وتقليل الاعتماد على صادرات النفط فقط.