الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
في ذكر فارغاس يوسا

بواسطة azzaman

أذن وعين

في ذكر فارغاس يوسا

عبد اللطيف السعدون

 

رحل عنا، على نحو مباغت، الروائي البيروني صاحب (نوبل) ماريو فارغاس يوسا (89 عاما)، وكان بدأ حياته يساريا وصديقا للثورة الكوبية إلا أنه سرعان ما انقلب على ذلك وتحول الى اليمين المتطرف مؤيدا للسياسات الأميركية المعادية للشعوب، ومن مواقفه المعلومة تبريره غزو العراق على أساس «أن الدكتاتوريات من المستحيل أن تتغير بفعل الداخل»، لكنه قبل ذلك كان من المعارضين لفكرة الحرب، وقد زار العراق بعد الغزو بشهور، وفي «يومياته» كتب «ان الحرب الأميركية خلفت أنقاضا وحرية لكنها الحرية البربرية التي أدت الى نهب كل شيء»، و»أن خرابا ضرب بغداد جعلها مدينة شديدة القبح بعدما كانت من أجمل المدن العربية»، وقريب من هذا الموقف ما كتبه بخصوص القضية الفلسطينية، واعتداده بكونه «صديقا لإسرائيل»، لكنه أدان سياساتها العنصرية ضد الفلسطينيين وممارستها القتل الانتقائي والتعذيب والسجن ومصادرة الممتلكات وهدم المنازل، لاحقا في زيارة له إلى الأردن طور موقفه: «الحل في دولتين، إسرائيل ودولة للفلسطينيين».

خطأ فادح

يعترف يوسا أن الخطأ الفادح الذي ارتكبه في حياته أنه أصبح شيوعيا لذلك تخلى عن عضويته في الحزب الشيوعي بعد عام واحد فقط، «كنت أفكر أن الماركسية هي المخرج للبشرية من الظلم لكنني اكتشفت في النهاية أنها أيديولوجيا مغلقة وطائفية ومتعصبة وتقود الى الخراب».

وفي أميركا اللاتينية وجدت أحزاب اليمين في طروحات يوسا نوعا من التناغم مع رؤيتها لأفكار اليسار وتنظيراته، وبالطبع كان هذا هو الدافع لأن تنظم المعارضة الفنزويلية زمن الزعيم اليساري هوغو شافيز ندوة يتحدث فيها يوسا عن «التحديات التي تواجه أميركا اللاتينية» كنت أحد شهودها، وفي حينها أثارت مشاركته في الندوة الكثير من الضجيج خاصة بعد أن أطلق هجومه على التجربة الفنزويلية قبل أن يصل الى كاراكاس اذ وصفها بأنها «تيار شعبوي خطر يهدد الديمقراطية في أميركا اللاتينية ويعيق تطورها»، ولم يستجب شافيز لطلب أنصاره منع يوسا من دخول البلاد لقناعته أن ذلك قد يفسر بالعداء للديمقراطية ولمبدأ حرية التعبير، لكن يوسا المعروف بغرابة أطواره وبعشقه للمناكفات وتعمده اثارة الضجيج في كل مكان يحل فيه، وهو ما أكده لي صحفي فنزويلي صديق له، واصل  اطلاق تصريحاته المعادية حتى وهو داخل قاعة الندوة في مناكفة منه لدفع حكومة شافيز لطرده من البلاد واستثمار خطوة كهذه لصالحه لكن الرئيس الفنزويلي رد بمناكفة أشد عندما فاجأ يوسا بدعوته الى جلسة حوار في القصر الرئاسي يحضرها مفكرون يساريون الا أن الأخير اشترط أن يتم الحوار بينه وبين الرئيس فقط من دون مشاركة آخرين، ورد شافيز بالقول: «انك رجل عسكري، وأن الحوار يمكن أن يتم على مستوى رجال الفكر، وعليك اذا أردت أن تتحاور معي فعليك أن تعود الى بلادك، وتحصل على الرئاسة عن طريق الانتخاب أولا»، في إشارة ساخرة الى خسارة يوسا في الانتخابات الرئاسية التي كانت قد جرت في بلاده.  

وفي واقعة أخرى واجه يوسا موجة احتجاجات من مثقفين وأكاديميين على خلفية ترشيحه لعضوية «الأكاديمية الفرنسية» المعنية بحماية الآداب واللغة والثقافة الفرنسية بسبب مواقفه «المعادية للشيوعية» وعلى دعمه زعماء اليمين في أميركا اللاتينية، ولم ينس المحتجون الإشارة الى «المشاكل الأخلاقية الخطيرة» ليوسا، وارتكابه واقعة «تهرب ضريبي» فضحته «أوراق باندورا»، ورأوا أن دخول يوسا إلى حرم الأكاديمية «يضفي الشرعية على مواقفه التي تضرب عرض الحائط بقيم الديمقراطية الفرنسية، ولا سيما الحق في الدفاع عن القضايا العادلة». 

وفي واقع الحال فإن دخول يوسا إلى الأكاديمية الفرنسية لم يكن مكسبا شخصيا له بقدر ما هو مكسب للأكاديمية نفسها ولفرنسا.

ومع كل ما قيل عنه ظل يوسا في ارتكاباته المتأرجحة ممثلا عن فكره النقدي بعدما أدرك أن «الماركسية» تحمل «دوغماتيتها» معها، وسوف يكتشف لاحقا أنها مليئــــــــة بالثقوب.

كما حرص على أن يبقي على مسافة بينه وبين النشاط السياسي المباشر، وهو حتى في سعيه للرئاسة في بلده لم يحاول أن يتخطى تلك المسافة، وهو القائل «ان السياسة مملكة الكذب»، و»إن السياسي قد يضطر للسير بين الجثث».

 


مشاهدات 78
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2025/04/25 - 7:05 PM
آخر تحديث 2025/04/26 - 11:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 639 الشهر 28106 الكلي 10908753
الوقت الآن
السبت 2025/4/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير