الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
اللامي الراحل .. الذي لم يرحل يكتـب عن الجواهري

بواسطة azzaman

اللامي الراحل .. الذي لم يرحل يكتـب عن الجواهري

رواء الجصاني

 علمتنا الحياة، ومابرحنا نتعلم منها، بأن المبدعين يرحلون مثلهم مثل البشر كلهم، ولكن ابداعهم، الثري منه، والمميز، يبقى سارياً، نافذا، تتداوله الاجيال، وكم وكم ثمة ما يوثق تلكم الحال ..

  والفقيد جمعة اللامي الذي ما فتأت الاوساط الثقافية، ووسائل الاعلام تستمر هذه الايام بالحديث عنه، وبعض سماته، وتجربته الادبية، وعطائه  اللامع، بعد ان رحل عن عالمنا، الخميس السابع عشر من نيسان الجاري.. كما تتوالى الذكريات والاحاديث عنه من مجاييله، وعارفيه، ومتابعي منجزه الابداعي قصصا وروايات، وكتابات، فضلا عن دوره الاعلامي، وغير ذلك كثير..

  ونزعم باننا من بين تلكم الاوساط التي قرأت واطلعت وتابعت، وقدّرت، عطاءات الفقيد الراحل، - ونكرر: الذي لم يرحل – وتواصلت معه عديدا، ومن ابرزها حين دعوته، واستجابته لكتابةٍ يرتئيها، لتنضم الى اسهامات نحو اربعين شخصية مرموقة من الشعراء والاكاديميين والكتاب والمثقفين، العراقيين، بمناسبة الذكرى السنوية العشرين للجواهري الخالد التي صادفت بتاريخ 2017.7.27 لتنشر اولا في صفحات مخصصة بالمناسبة عند خمس صحف عراقية غراء، ثم ليضمها بعد ذلك  اصدار تصدينا له في مركز الجواهري الثقافي، ونشره ووزعه بعد فترة وجيزة من حلول تلك الذكرى ..

  واذ نكتب عن تلك الاستجابة الانيقة من المبدع جمعة اللامي، نشير الى جملةٍ علقت في الذهن ونحن نتواصل معه بشأن الامر، اذ قدّرنا حاله الصحية في حينها، اذا ما تعذر ذلك عليه،، فكان جوابه بارز الدلالة „كـنتُ سأعتب عليكم „لـو“ انني لم أدعَ للمشاركة“.. وفي التالي نص المساهمة الفاخرة التي وقعها بـ „ جمعة اللامي - نزيل الخليج العربي ـ 2017 «.. وجاءت بعنوان» شذرات من جواهر الجواهري»..

******

1/ كنّا فتية ثلاثةٌ ، ورابعنا كوكبٌ دريّ، يُوقدُ نوره من الكلمة الأُولى التي زمانها ما قبل التاريخ : ذلك هو الشعر ـ الطبيعة، عندما كانت الدنيا – وقتها – صغيرة ، فاتسعت دوائرها ، وامتدت حافاتها ، إلى النقطة التي لا نقطة قبلها ، لأننا كنا مع الشعر الذي يمشي في اسواق لغة الضاد على قدمين : محمد مهدي الجواهري، فضاء الهوية والمسؤولية والإبداع ..

******

2/ تعرفتُ عليه في المكتبة العامة لمدينة العمارة، بإلتفاتةٍ ناهضة وفريدة من الزمن، عندما خرجنا في مظاهرة طلابية ضخمة لمناصرة مصر في سنة 1957. كان ذلك عندما تعدت مراهقتنا غير المجرّبة، بَعدُ ، السور الأول من أَشواقنا. ومع الهتافات والشعارات الوطنية، قرأت على الرفاق الفتية : سلامُ على مثقلٍ بالحديد! كنا نحن الفتية الثلاثة، نقتفي درب الشهيد „عطا» الماركسي الميساني ، من غير أن نعرف ما هي الماركسية. كنا نحسبها خطابات جمال عبد الناصر. لكننا بمعرفة قصيدة الجواهري تلك ، صار الشهيد „عطا“ ، رمزاً للعراق ، وغدت الإشتراكية مرافقة لتصوراتنا الأولى عن العدالة في العراق الحديث.

******

3/ ويوماً بعد يوم ، وسنة بعد أخرى، عندما جابهت صدورنا بغدادُ. ثم حين لم تهدأ أسئلتنا الفكرية والأخلاقية، في المعتقلات والسجون المَدينيّة والصحراوية ، عن الفن والحياة والإنسان والوجود ، استوى الجواهري، الإنسان والشاعر ، المنارة الأعلى ، والأركز ، والأجمل ، بين منارات الشعر العراقي ، الذي رافق الحركة الوطنية العراقية.

*****

4/ كنت أعلن أمام عدد من زملائي الشباب في سجن نقرة السلمان ، بين سنتي 1963 – 1965 ، أن الجواهري هو الأنموذج العراقي ، لـ „ المتمرد „ الفلسفي . وكان ردّ اغلب الزملاء أن الجواهري لا علاقة له بـ „ حامل الصخرة الذي عرف السرَّ الرهيب“. كانوا يرون فيه الشاعر الذي يتبع السياسي وكنت أقول : يهمني فعله. لماذا جمع ما بين الجواهري والمعري والمتنبي، في „أَناه“ الفريدة؟.

وكنت أجيب نفسي : لأنه شاعر بحق

والشاعر الحق ، فرديّ بطبعه ، معتزل بسليقته.

ولو كان الجواهري ، يُماثل غيره من أقرانه الشعراء العراقيين والعرب ، الذين استكانوا إلى إطار ثقافي ذي خط واحد في الفكر والعمل، أو الى حزب سياسي تحبسه الأيديولوجيا عن رؤية سعة الحياة وخلود الطبيعة، لكـفَّ عن أن يكون على ما هو عليه في حياته، أو حتى يعد موته : الجواهري سار في حياته بين الناس ، أو في حياته الشعرية ، مثل صاحبه المتنبي ، غريباً كصالح في ثمود ، ولهذا بقيت روحه عصيَّه على التطابق مع جماعته الاجتماعية والسياسية والثقافية ، مثلما بقي أميناً لعزلته ، في أرقٍ يقوده إلى أرق ، ومن نفور إلى نفور ، وهو حال الشاعر الفرد المتفرد.

وهو ينماز على غيره من شعراء العرب الكبار أيضاً ، بميزة أنه ظلَّ شاعراً متفرداً ، منذ شبابه، وحتى إلى ما بعد موته ، فقصائده كلها تشير إلى هذه الاطروحة الفنية – الوجودية.

******

5/ وبعد كل قفزة في التاريخ ، سواء كنا منتصرين أو منكسرين ، كنت أجد في الجواهري ، لاسيما عندما يخاطب البطولات العراقية والإنسانية ، صوراً لشخصيات ، مُهمشة ومقصيّة في أغلبها ، في مقدمتها الشهيد الأسطوري : ميثم التمار. أقول : حتى وهو يتحدث عن علي أو الحسين ، كنت أتصور أنه يقدم إلينا ميثم التمار، بل إنه ، الجواهري، وهو يرثي يوسف سلمان يوسف „ فهد“ ، أو يعيد تشييد شخصية الشهيد جعفر الجواهري، كان يقدم إلينا شخصية „ ميثم التمار“الذي لم يلتفت إليه أحد ، في زمانه ، وحتى في زماننا هذا، مع الأسف الشديد. ميثم التمار، هو ابن النجف الأشرف ، كما الجواهري تماماً. ولعل هذه المدينة الخالدة ، عندما تتنفس هواء الشعر ، وهواء البطولة ، فإنها تتنفسها في اثنين : علي و ميثم!

وهي ، النجف ، ستبقى تتذكر ثلاثة : علي ، ميثم ، والجواهري

******

6/ الجواهري ، حقاً ، هو إبن الطبيعة، بل ذراعها اليمنى – باستعارة من تشيللر- عندما تتحول الى فن. والطبيعة تتقدم نحو فرد بشريّ بعينه ، ودون سواه ، بينما هو ، هذا الفرد ، يُعدّ نفسه ، بالرياضة الثقافية والروحية ، ليلتقي بها ، عند نقطة سدرة المنتهى ، فيحدث إنفجار الإبداع الكبير. وهكذا كان الجواهري في علاقته مع صورة الإبداع ، وجوهر هذا الإبداع ، في حياته وشعره.

في مجلس ضمني الى نجلة فرات، سالته : كيف هو حال والدك ، بعد اي قصيدة ينتهي من كتابتها؟ فقال: كان الوالد، وقتها، كأنّ مسّاً خالطه، وهو يهذي بقوله: حلّت بي الآلهة !

وهكذا ، أَبناء الطبيعة، الشعراءُ..


مشاهدات 52
الكاتب رواء الجصاني
أضيف 2025/04/25 - 6:18 PM
آخر تحديث 2025/04/26 - 11:31 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 642 الشهر 28109 الكلي 10908756
الوقت الآن
السبت 2025/4/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير