لرواية عروس الغرقة سيرة انتفاضة الماء لأمل بنت عبدالله الصخبورية
زينب عبدالكريم الخفاجي
ليس سهلاً أن تكتب نقدًا في رواية من القطع الطويل، كثيرة الأحداث تتضمن حقبتين زمنيتين ، وتفاصيلها دقيقة غزيرة مثل رواية (عروس الغرقة سيرة انتفاضة الماء)، للروائية المبدعة: أ.أمل الصخبورية..
ذكر فيكتور هيجو في روايته الشهيرة «البؤساء، معبرًا عن التعب والألم: ( ثمة لحظات تكون فيها الروح جاثيةً على ركبتيها مهما كان وضع الجسد »
الماء أصل الحياة، جاء في الذكر الحكيم قوله تعالى: ((وجعلنا من الماء كل شيء حي)) سورة الأنبياء :٣٠
ينشر الماء تأثيره على الحياة كلها بكل ما فيها من أشجار وأزهار وكل ما حولنا، أجسادنا ، منازلنا، أرواحنا لتحيا بالماء الذي يضفي حياةً على الأماكن والطرقات، لكن مثلما هو سر الحياة، هو كذلك سبب الموت والعدم، والرعب حين يتحول حنين الماء إلى قسوة عارمة تتجسد بإعصار قوي عصيّ على الانكسار والضعف ليتحول إلى فيضانٍ يودي بحياة الكثيرين، محطما أحلامهم وآمالهم، وأمنياتٍ وحكايات لم يسعفهم الوقت على سردها، توقفت وقتلت بعد أن كان الحكم هو الفيضان أو الطوفان والإعصار…
(إعصار جونو )
كيف يكون الماء رمزا للخصب والنماء للحياة برمتها والوجه الثاني * منه الموت، وبين هذا وذاك تولد الحكايا، لتكون حكايا كبيرة وطويلة تسرد قصة بطلة اسمها (غدق ) تروي أحداث إعصار جونو عام ٢٠٠٧، بتفاصيلها وما عانته غدق وعائلتها جرّاء هذا الذي عصف بأماني العروس الشابة وأغرق قصص جميلة في مخيلتها من محبة للحياة وئدت تحت سطوتهِ، ولم تكن هناك مواساة سوى أن تقرر رواية مذكرات وأسرار( البطلة الثانية )، واسمها (زيانة حمد) والتي عاشت قبل البطلة (غدق) بأكثر من ( ١٠٠) عام ، وكان حضورها في نص الرواية من خلال يوميات أو رسائل كتبتها زيانة، مع اختلاف مكانها ما بين زنجبار ثم عُمان وهي تعاني ذاك الغرق مثل العروس غدق.
" واللطيف في الأمر أن يتزامن وقت قراءتي لرواية (عروس الغرقة هذا العنوان الذي يوحي بالموروث المتعارف)، مع هطول أمطار غزيرة جدا على بغداد ولمدة ثلاثة أيام متوالية ومستمرة مما أدى الى غرق المنازل والشوارع في بغداد وإيقاف الدوام الرسمي، وعن ورود الأنباء الجوية أن هناك مزيدًا من الأمطار الغزيرة ستستمر خلال الأيام المقبلة، (اللهم لطفا بعبادك واجعله صيبا طيبا).
لذا أتخيل الاحداث، وكيف للإعصار أن يقتل الأحلام وينحر حكايا قلوب اجتمعت بفرحةِ عُرس، ويجعلهم جثثا هامدة لا جذور لها لتثبت في الأرض وتتشبث بالحياة، بل هي تشابه بنات الشمبلان العائم أو ذيل القط -الذي استحضرته الكاتبة في روايتها- إذا لا جذور له وسط الماء فيظل يسبح طافيا من دون أن يرتبط بجذور قوية.
الشمبلان الذي جسد الهوية المزعزعة والجذور العائمة لدى (زيانة حمد) والتي لم تفطن إلى سر شجرة البيذام قوية الجذور في دار أبيها، في حين نجد مقابلة الروائية لهذه الصورة بصورة شجرة النارنج وذكر النخلة في أحوال (غدق) وقد تكون مقابلة ناجحة إذ حاولت البطلة ( غدق) التشبث في بأرضها ومقاومة الموت بجذور ثابتة مثل ثبات النخلة أو شجرة النارنج، فنجد الروائية تتخذ من ثيمة النبات رمزا للهوية الثابتة والجذور العميقة -وهنا مقابلة فاصلة ما بين النخلة والنارنجة والبيذامة ثابتت الهوية، ونبات الشمبلان الذي لا جذور ولا هوية تمسكه بعائلته.
سنشهد في الرواية حدثين متشابهين في الظروف، إلا أن الفارق الزمني بينهما أكثر من ( ١٠٠) عام، مما جعل الرواية وثيقة تاريخية لما حدث بسبب الاعصار على دولة ( سلطنة عُمان)، وهذا يحسب للكاتبة التي جعلت من (عروس الغرقة) وثيقة تاريخية وتحفة أدبية توجتها بعتبة نصية موفقة ( عروس الغرقة)، لتسرد تاريخ وطن يأبى الانقياد للموت والإذعان لصوت اليأس والموت فثمة أمل ٍلإكمال الطريق وسرد ما بقي من الحكايا التي لم تكتمل .
هي توجه القارئ أن ثمة أمل يحثنا على التشبث بقوة وعدم الاستسلام واليأس ولعل لحظة سماع البطلة (غدق) وهي في المطار في رحلة البحث عن (زيانة حمد) صاحبة الرسائل والقصة الموازية لها في زمن آخر، عن نبأ إعادة بناء وإحياء القرية التي تضررت بسبب إعصار جونو بعد مرور زمن وهي في عام 2024، فهذا يعنى أنه مهما طال الزمن فالأمل موجود وعلينا أن لا نفقده، وموقفها هذا يشابه موقف (العم علي) والد زوجها في الرواية، والذي عاد الى عُمان بعد أن طال مكوثه في العمل خارجاً ما بين البحرين والكويت.
الرواية قائمة على حوار كلي العلم، وحوار الشخصيات المغذية للحدث فضلاً عن المونولوج الداخلي، أما الوصف فهو ديناميكية الرواية ومحورها، وهناك تفاصيل كثيرة ودقيقة جدًا، دخل الوصف في رسم صورتها لتقريبها للمتلقي، فمثلاً في صفحة (٨٠) تدخلنا الرواية إلى عالم الجن والغيبيات ومسألة الوفاء بالنذر متمثلاً ب ( حارسة السيح) في الموروث الاجتماعي عند العرب .
تَطرح الكاتبة للقارئ مفهوم (الأسرة) بشكلٍ دقيق من خلال حكاية كبيرة تؤطر قصصٍ صغيرة داخلها، وقد أكدت الأديبة بنجاح على أهمية وعمق الأسرة والولاء المطلق لها، ودورها في حل الأزمات، وهي تحاول تعزيز مكانة الأسرة التي قد تكون ضاعت أو ضُيعت وسط عالم التكنولوجيا الحديثة التي نعاني من أضرارها مع إفادتنا من إيجابياتها .
هناك الكثير من التفاصيل التي أسفرت عن تفوق الكاتبة في سردها بل وتحويل روايتها إلى سفر تاريخي ووثيقة مهمة تعالج حقبتين من الزمن اشتركتا في الظرف ذاتهِ، والمكان فيها يلعب دورًا عميقًا وكذلك الزمان والأحداث، فضلا عن عنصر التشويق الذي اعتمدته الكاتبة في سرد الأحداث، مما يشد القارئ بقوة لتتبع السرد لآخر صفحة.
لذا أرشح لكل مُحبٍ للقراءة برواية(عروس الغرقة سيرة انتفاضة الماء) والتي ترقى حقا إلى مستوى مسلسل تلفازي أو فيلماً وثائقياً وهذا كان أيضا رأي القارئة المحامية (سجى علي عبد الكريم الخفاجي) الأديبة اليانعة، بعد إنهائها قراءة الرواية.