الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رواية (غــادة الزاهـــرة) أول روايـــة عربيـــة


رواية (غــادة الزاهـــرة) أول روايـــة عربيـــة

"زينب فـــوّاز" درّة الشــرق وعميدة أديبات العرب

 

بقلم/ محمَّـــد الثانـــي  (مصر)؛

      لا نَعجَب مِن تساؤل "فاطمة الخواجا" مُحقّقة رواية (غــادة الزاهـــرة) في طبعتها الصادرة عن "دار نلسن" في بيروت، إذْ تقول: كيف أمكن تجاهُل "زينب فــوَّاز" ودورها المحوري وغزارة إنتاجها، ومكانتها في زمنها؛ بلْ ونسيان كوكبة من النساء العربيات اللواتي تُـوّج بهنَّ القرن التاسع عشر، حيث تمَّ إغفال ذِكرهنَّ، رغم أنهنَّ شاركنَ بقوة وبزخم، في حركة النهضة العربية؟

    وقد اكتشفت مُحقِّقة "غادة الروايــة"، خلال بحثها عن زينب فواز، أنها ليست فقط شاعرة وأديبة، بلْ أيضاً ناشطة اجتماعية، وصحافية من العيار الثقيل "تُهاجم كرومر وتؤيد سعد زغلول، وتَردّ على الكتّاب مُصوِّبة نظرتهم إلى المرأة". وتَعتبِر المُحقِّقة أنَّ زينب فواز كانت "سفيرة الصحافة النسائية إلى القصور الخديوية والبيوتات الأرستقراطية، تُصوّر بمقلتيْها أفراحهم وتَخطّ بقلمها مقتنيات جهاز العروس لتنقله إلى القراء على صفحات المجلات".

         فما هيَ حكاية هذه الروايــة ...؟

        في أواخر القرن التاسع عشر –وعلى وجه التحديد- في عام 1899م، صدرت رواية "غادة الزاهرة" عن "المطبعة الهندية" بالقاهرة، في 231 صفحة، و37 فصلاً، وبعدها حملت الروايةُ اسماً آخَر هو "حُسن العواقب"، وتوالى إصدارها أثناء حياة الكاتبة، عدة مرات، وكان آخِرها عام 1903م، والطبعة القديمة موجودة إلى اليوم في "دار الكتب والوثائق المصرية".

   ومِن حينها باتت الروايةُ تَنفد وتَختفي، ثمَّ يأتي مَن يَتذكَّرها ويُعيد طباعتها، فقد أعاد إصدارها "المجلس الثقافي للبنان الجنوبي" عام 1984م ضمن سلسلة "التراث العاملي"، حيث اعتَبرت فوزيةُ فواز -كاتبة مقدمة الطبعة- أنَّ صاحبة "غادة الزاهرة" اقترن اسمها بأسماء الكبار الذين نبغوا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين".

     كما أصدرتها "الهيئةُ المصريةُ العامة للكتاب" عام 2013م ضمن سلسلة "رائدات الرواية العربية"، وذهب "مُقدِّمُ الرواية" إلى أنَّهـا أول نص روائي عربي، وقال: "بناءً على الدراسات وتتبُّع تواريخ النشر، والقواعد النقدية والفنية، فإنَّ رواية "غادة الزهراء للكاتبة زينب فواز هي أول رواية عربية". ما يَنسِف الزعم بريادة الدكتور محمد حسين هيكل –صاحب رواية «زينب» التي صدرت عام 1913، والتي أرَّخَ بصدورها كبار النقاد لولادة أول رواية عربية، وتناولتها الأقلام طويلاً بالنقد والتشريح، والاهتمام، فيما لم تحظَ رواية "غادة الزاهرة" لزينب فوّاز بالعناية عينها.

    يقول العارفون ببواطن الأمور: إنَّ الترويج بأنَّ رواية "زينب" باكورة الرواية العربية، تتحكَّم فيها خلفيَّات أيديولوجيَّة لا تَختلف كثيراً عن نظرية "المركزية الأوروبية" التي تُروّج أنَّ مصدر كل الفنون والعلوم هو أوربا القديمة (اليونان/ الإغريق) ضاربةً عرض الحائط كل الحضارات القديمة شرقية كانت (هندية، صينية، مصرية، آشوري، وبابلية ..) وغيرها من الحضارات!

   لقد كانت فكرة "المركزية المصرية" إذن متحكّمة في نفوس الروّاد المصريين الذين حملوا على عاتقهم تنوير الرأي العام العربي وغدوا يَربطون ظهور كل جديد بـ(أم الدنيـا)، فكان في نظرهم مولد القصة، والرواية، والأغنيّة العصريّة، ومختلف الفنون المحدثة في ثقافتنا بمصر دون غيرها …. جاعلين من باقي الدول العربية هامشاً يدور حول "المركز المصري" يَنهل مِن ينابيعه، ويَقطف مِن ثماره!

     قد يكون صحيحاً أنَّ "مصر" سبقت الدول العربية إلى الرواية إذا ما قُورِنت بدول الخليج، أوْ المغرب العربي، لكن لا تُقارن مع العراق وبلاد الشام!

      وكل ما نأمله من هذا التعقيب والتصويب والتصحيح هو تَجنُّب النظرة القُطرية الضيّقة، في التعامل مع الأدب العربي، بلْ علينا النظرة إليه في شموليته واعتبار الكل مساهماً في ذلك الموروث الذي يجب علينا الحفاظ عليه وتطويره دون عصبية قُطرية أوْ مذهبية!

      قصَّــة "غــادة الزاهــرة"

      تُعتبَر رواية "غادة الزاهرة" وثيقةً أدبيةً وتاريخية، لفهم الحياة الاجتماعية، والعلاقات التي كانت سائدة في تلك الفترة في المنطقة. فهي قصة حقيقية تَعرفها "المؤلّفـة"، وقد سردت أحداثها، خافية الأسماء والبلدان "حرصاً على شرف البيوت الكريمة التي دنّسها بعض أبنائها وهانَ لديهم بذل شرفهم في سبيل شُهرةٍ زائفة". وتدور أحداث القصة في جنوب لبنان –إبان الحكم العثماني- في المنطقة التي نشأت فيها الكاتبة. أمَّا الشخصيات فهم مِن أبناء قرية "تبنين" وحكّامها.

       في مقدمة الرواية تشرح "المؤلفــة" سبب عكوفها على كتابة هذا النوع الأدبي. فالرواية في رأيها "مرآة الأفكار، وتزول بلذّتها الهموم والأكدار، وتأخذ منها النفوس على قدر عقولها من الذكرى والاعتبار، وكان أجلّها قدراً وأسماها منزلة و ما قرب من الواقع أو مثل حقيقة الوقائع".

     نعم، رواية "غادة الزاهرة" حكاية صراع مرير مليء بالشرّ، بين الأميريْن: "تامر" و"شَكيب" على حُكم منطقة جبل شامخ، وفيها من القيَم الثقافية والاجتماعية الكثير، ويَظهر بقوة أثر تلك العلاقات والصراع الثقافي.

    ويلحظ القارئ أنَّ "الكاتبة" عمدت إلى مزج حكايتها بالقصائد، بحيث أصبح الشّعر جزءاً أصيلاً مِن نصها. ولا تتردَّد في جعل شخصياتها يُجيب بعضها بعضاً شِعراً، في شيء من المواءمة بين الأحداث والنبض الشّعري للنص. هكذا يمتزج القصّ بالشِّعر، وكأنما يُكمّل بعضهما بعضاً. وقد يعود ذلك لكون "المؤلفة" شاعرة، أوْ لأنها أرادت أن تخلُط نوعيْن أدبييْن من باب التجريب، وكل هذا ممكن.

      أمَّا عن فحوى هذه الرواية، ففيها حكاية أبناء العمومة: "شكيب" و"تامــر". الأخير هو الأكبر سناً، وبالتالي تعود إليه الإمارة، لكنه لا يتحلَّى بالخُلُق ولا بحُسن المعشَر، فخطر لعمّهم أن يُوكِلَ المهمةَ لشكيب؛ لأنه الأقدر عليها. لكن النتيجة البديهية، و"تامر" هو الأكبر والأحق عرفاً، وفي نفسه ما عرفناه عنه مِن شرّ وقدرة على حياكة الحيل وإيقاع الأذى، أنه سيبذل كل ما في وسعه ليمنع شكيب من بلوغ مراده، بأن يتآمر، ويدبّر الدسائس، ويُشعل الحقد في القلوب عليه، ويُكلّف مَن يستطيع لتنفيذ المؤامرات والتخلص من غريمه "ابن عمّـه".

    يَطغى على الرواية الأسلوب الوصفي المُشوق الجَزِل. فالكاتبة تتمتَّع بأناقة التعبير، وعذوبة البيان، والقدرة على الانسياب في العبارة والتلقائية ... وقد تُرجِمت الروايةُ إلى عدة لغات أجنبية، ويستشهد بها من قبل المستشرقين عند التأريخ للرواية العربية.

     مَن هــيَ "زينب فـــوّاز

    تَحدّثنا كثيراً عن رواية "حُسن العواقب" المعروفة بــ"غادة الزاهرة" وتاريخها، وأحداثها، وما صاحبها من جدلٍ حول حقيقة أسبقيّتها لغيرها من القصص والروايات ... ولكن لمْ نَعرِف شيئاً عن "زينب فــوّاز" صاحبة الرواية؛ التي أحدثت كل هذا الجدل والنقاش الأدبي المُستعِر!

   نَعَــم، إنَّهــا أديبة وشاعرة ومؤرخة لبنانية (1960- 1914م)، هيَ درَّة المشرق، ومن أوائل الصحفيات وكُتّاب الرواية، شغلت الحياة الثقافية والأدبية في مصر خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين

    لقد وُلِدت "زينب بنت على بن حسين بن عبيد الله بن حسن بن إبراهيم بن محمد بن يوسف فواز العاملي" عام 1844م ببلدة "تبنيـن" في "جبل عامل" بجنوب لبنان لعائلة فقيرة، وتقرَّبت في صباها من "عائلة آل الأسعد" الذين كانوا يَحكمون تبنين آنذاك. وقد تزوّجت برجلٍ من حاشية "خليل بك الأسعد"، ولكن سرعان ما انفصلا لاختلاف الأمزجة بينهما. وبعد ذلك سافرت إلى دمشق، وتزوّجت الكاتب الدمشقي "أديب نظمي"، لكن سرعان ما انفصلا ... وخلال إقامتها في سورية كان لها نشاط أدبي قوي مِن خلال المجالس الأدبية. كما أنها شاركت بالقضايا العامة، فقادت المعارك والمناظرات المطالِبة بحقوق المرأة، وشاركت في القضايا الفكرية والسياسية.

    لذا؛ بعد وفاتها سنة 1914م، أطلقَ السوريّون اسم "زينب فواز" على مدرسة ابتدائية تقع في سوق الصوف رقم 13 -سوق مدحت باشا- بالقرب من شارع حي الأمين حيث كان مسكنها رقم 67. تقديراً وإعجاباً منهم لعملها ونضالها في سبيل تحرر المرأة العربية.

   وبعد طلاقها الثاني، سافرت إلى الإسكندرية لتلقِّي علومها حيث درست على يد الشيخ "محمد شلبي"، والشيخ "محي الدين النبهاني"، والشيخ "حسن حسني الطويراني" صاحب جريدة النيل.

   وقد تَعرّف عليها في الإسكندرية ضابط مصري وتزوجها، ورغم زيجاتها الثلاث لم تُرزق بأولاد. ولَمَّا ارتحلت إلى القاهرة، ظهر نبوغها هناك، ولُقّبت ﺑ"درة الشرق"، ونَشرت مقالاتها في صُحف: «النيل» و«الأهالي» و«المؤيد»، و«اللواء»، و«الفتى» والأستاذ، وغيرها. ودعت إلى تعليم المرأة والإصلاح الاجتماعي، واعتُبرت مِن رائدات التيار النسوي، حيث قادت المعارك والمناظرات التي تدافع عن حقوق المرأة، وترفض كسر إرادتها، ومنعها من ممارسة دورها الاجتماعي، وقصر نشاطها على البقاء في المنزل. كما أنها طالبت مواطنيها بالتبرع للجزائر يوم تعرضت لأزمة اقتصادية كبرى، وهدَّدتها المجاعة.

    وقد نالت "زينب فوّاز" شهرةً كبيرةً بعد أن كتبت "الدر المنثور في طبقات ربّات الخدور"، وهذا الكتاب يتألف من 426 صفحة مِن القطع الكبير، ويحتوي على 456 ترجمة لمشاهير النساء من شرقيات وغربيات، متقدمات ومتأخرات، وفيه ترجمة واحدة لامرأة عاملية هي السيدة ‌"فاطمة‌ بنت أسعد بك الخليل" زوجة علي بك الأسعد، وهو أكبر مؤلفاتها وأحسنها.

    كان لزينب نزعة تحرّرية ظهرت من خلال دعوتها للنساء للاشتراك في الجمعيات والمَعارض والمؤتمرات العالمية، وخاصة مؤتمر الاتحاد النسائي العالمي في "سانتياغو" عام 1893م.

      ويُحسَب لها مشاركة الإمام "محمد عبده" في الردّ على مزاعم "هانوتو" وهجومه على الإسلام. بالإضافة لمناصرتها للزعيم المصري "مصطفي كامل" وحرصها على حضور خُطبه، ومِمَّا يُذكَر في هذا الخصوص، أنَّ "مصطفى كامل" غيَّر بداية خطابه بعد أن كان للرجال فقط، ليصبح "سيداتي وسادتي"، فقد جعلت حضور المرأة حقيقية وواقعاً.

    لذا؛ يقول عنها قال صاحبُ "مجلة العرفان اللبنانية": "وبالجملة فإنّ زينب فوّاز كانت فريدة عصرها مع ما كان في كتبها وكتاباتها وشِعرها من الأغلاط، ولم تَشتهِر غيرها من النساء في مصر بالكتابة والشّعر والتأليف".

      هذا، وقد تركت خلفها عدداً من الكتب ذات القيمة الفكرية العالية: فإلى جانب روايتها "غادة الزاهرة" التي أسلفنا الحديث عنها، لها كتاب "الدر المنثور في طبقات ربات الخدور" وهو أهم مؤلفاتها، وقد نالت به شهرة واسعة، و"الرسائل الزينبيَّــة"، وفيها ناصرت قضايا المرأة وحقها في التعليم والعمل، و"مدراك الكمال في تراجم الرجال"، و"الجوهر النضيد في مآثر الملك الحميد"، و"الهوى والوفاء" (مسرحية شعرية)، المَلِك قورش، باعث العجب. ولها ديوان شعر جمعت فيه منظومات لها، وقد امتاز شِعرها بالعذوبة، وامتزج بالحِكَم والأمثال، مِن ذلك هذه الأبيات:

ما مِـن كاتبٍ إلاّ سيبلـَى ويبلغ بـدء غـايتـه انتهـاء

  وتمحوه الليالـي في سراهـا ويُبقي الدهرُ مـا كتبت يداه!

   فلا تكتُب يمينكَ غير شيءٍ بـه يـرضى لكَ الـزلفى الإله

ولا تَعمل سـوى عمـلٍ مفيدٍ  يَسرّكَ فـي القيامةِ أن تراه!

        وللأديبة "زينب فواز" الكثير من الأقوال المأثورة، منها:

  = "ما دام الرجل والمرأة متساوييْن في المنزلة العقلية وعضويْن في الهيئة الاجتماعية، ولا غِنى لأحدهما عن الآخَر، فما المانع إذا اشتركت المرأةُ في أعمال الرجل، وتعاطت العمل في الدوائر السياسية وغيرها، متى كانت كفؤا في تأدية ما تطمح إليه"؟

  = "إن المرأة في التاريخ عملت في السياسة وشاركت في الحروب. فملِكة تدمُـر وكليوباترا واليزابيث وغيرهنَّ كثيرات، كن نساء قادرات على كل تلك الأعمال، فالجنسان متساويان، وإنما الإهمال هو الذي جعل المرأة متأخرة متخلفة عن الرجل".

*   *   *


مشاهدات 111
أضيف 2025/03/22 - 3:22 PM
آخر تحديث 2025/03/24 - 9:34 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 779 الشهر 14417 الكلي 10575366
الوقت الآن
الإثنين 2025/3/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير