الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عن أحزاب عراقية سادت ثم بادت

بواسطة azzaman

أذن وعين

عن أحزاب عراقية سادت ثم بادت

عبد اللطيف السعدون

 

في الجادي والثلاثين من آذار عام 1934 توافق مثقفون عراقيون ماركسيون على تأسيس تجمع سياسي يحمل اسم «لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار» ليكون واجهة علنية لخلايا شيوعية كانت تعمل سرا، بعد عام واحد خرجت الى العلن باسم «الحزب الشيوعي العراقي « بقيادة يوسف سلمان يوسف (فهد) الذي أعدمته حكومة نوري السعيد أواخر الأربعينيات إثر تصاعد نشاطات الحزب المعادية للسلطة.

منذ ذلك الحين، والشيوعيون العراقيون لهم بصماتهم في التاريخ السياسي لبلادهم، بصمات حملت من المفارقات والمناكدات الكثير، بعد ثورة/ انقلاب تموز 1958حصلوا على شعبية لم يحصل عليها حزب آخر، وخرجت تظاهرات مليونية تطالب عبد الكريم قاسم بإشراكهم في الحكم، كانت استجابة قاسم مبتسرة بتعيين اثنين من المحسوبين عليهم في منصبين وزاريين ثانويين، في حينها كتب هيكل في (الأهرام) أن العاصفة سوف تمر، وأن العراق لن يكون شيوعيا

سقط الشيوعيون في حمأة ما سموه «العنف الثوري» بخاصة بعد تمرد «الشواف»، ارتكاباتهم المعروفة في الموصل وكركوك أججت الشارع ضدهم، وخلقت المناخ لمسلسل خساراتهم اللاحقة، انحسر ظلهم بعد سقوط قاسم، وتعرضوا لأعنف حملة قمع على أيدي البعثيين، لكنهم تصالحوا في عهد جمهورية (البعث) الثانية حيث أقام الطرفان «جبهة وطنية» ما لبثت أن انفصمت عراها بانتهاء «عرس الصلح» بسرعة، بعدما قفز صدام حسين الى الموقع الأول في الحزب والدولة، وشرع في تصفية كل الحركات التي لا تذعن لسلطته، وأجبر كل القيادات الشيوعية اما على الهرب الى الخارج، أو الانكفاء تحت الأرض، أو الانخراط في منهج (التبعيث) الذي أعطي تسمية (النشاط الوطني)!

استعاد الشيوعيون أنفاسهم بعد الغزو الأميركي، وظهر اسم (حميد مجيد موسى) سكرتير الحزب بين أعضاء (مجلس الحكم الانتقالي) الذي أنشأه الأميركيون تحت ادارتهم المباشرة، في حينها اهتزت ثقة الكثير من مناصريهم بهم، وتخلى بعضهم عنهم، وراجت نكات لاذعة في الشارع العراقي تحمل شعار «عاش الحزب الشيوعي تحت قيادة بول بريمر»، ونقل عن بريمر أنه قال لبعض مقربيه أن موسى قبل بالمشاركة في «مجلس الحكم» كممثل عن طائفته، وقد باركوا «العملية السياسية» الطائفية، ونشطوا من خلالها، وتحالفوا في الانتخابات مع أحزاب صغيرة لكتهم لم يحققوا حضورا يذكر لهم، الحزب الذي أخرج مليون عراقي الى الشارع قبل عقود لم يستطع أن يحصل على مقعد واحد في البرلمان، في حركة الاعتصامات وجد الشيوعيون أنفسهم في ذيل «التيار الصدري» زاعمين أنهم يصنعون «الكتلة التاريخية» التي ستنجز التغيير.

عقود طويلة

لكن أفول نجمهم لم يعد موضع نقاش الانحدار التدريجي، وتراكم الأخطاء، وعدم ممارسة المراجعة والنقد، والجمود التنظيمي الذي رافق بقاء القيادة الحالية لعقود طويلة، وضع الشيوعيين في خانة الأحزاب العراقية التي سادت ثم بادت، تاركين وراءهم تاريخا طويلا من المفارقات والمناكدات ليس بينهم وبين خصومهم حسب، انما بينهم وبين أنفسهم، وقد تعرضوا لانشقاقات عدة في مراحل مختلفة جعلت من الحزب الواحد أحزابا عديدة يسلق كل منها الآخر بألسنة حداد، ودفعت الكثير من أعضائه وأنصاره لأن ينفضوا من حوله، ولعب تطور الحال دوره حيث لم يعد الفكر الماركسي مصدر جذب للأجيال الشابة التي ولدت، ونشأت في عالم مختلف عن سنوات خمسينيات وستينيات القرن الراحل، وتحول شعار «الوطن الحر والشعب السعيد» الى «كليشة» عتيقة لا تغري أحدا!

واليوم، وبعد تسعة عقود على تأسيس أولى خلايا شيوعية في العراق، لم يبق سوى قليلين يحملـــــــــون في أذهانهم حلـــــــم العيش في ظـــل نظام شيوعي، لا في العراق، وانما في العالم كله، واسألوا من هجروا الحزب، أو هجروا منه، لماذا اختاروا العيش في دول الغرب، وحتى في الولايات المتحدة، القلعة الامبريالية الأولى، ولماذا لم يختاروا الاقامة في الجنات الشيوعية في كوريا الشمالية أو الصين أو كوبا، وأسالوا أيضا معارض الكتب عما اذا كان ثمة قارئ يبحث اليوم عن «رأس المال» أو «البيان الشيوعي»، أو عما كتبه لينين أو غيره من منظري الفكر الماركسي كانت الأفكار الشيوعية موضة العصر يوما ما، لكنها راحت مع أهلها.

 

 


مشاهدات 110
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2025/03/22 - 1:33 AM
آخر تحديث 2025/03/23 - 8:25 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 298 الشهر 13192 الكلي 10574141
الوقت الآن
الأحد 2025/3/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير