كاف النمذجة من حيث الإصطلاح
لطيف القصاب
أتفق إلى حدّ بعيد مع د. سعد سرحت في ما اصطلح عليه بكاف النمذجة؛ وهو الاصطلاح الذي أحسب أنّ أحدًا لم يسبقه إليه! كما في قولنا: نحن كعراقيين، واستقبلت فلانا كصديق، وأنا كمعلم، وأنا كطبيب، وأنا كمهندس...الخ، وذلك لما أورده الباحث من حجج أراها – على المستوى الشخصي - منطقية جدًا؛ ومنها:
((نستطيع أن نجعلها مقبولة لو قمنا بتقريب هذه الكاف بمثيلاتها في النصوص القديمة التي أوّلها النحاة بكلمة»مثل»أو خرّجوها على أنّها زائدة(=صلة)؛ لأنّ جلّ ما ورد في كتاب الله تعالى والآثار العربية تُضمِر بطريقة وبأخرى معنى «النموذج»أو المثال الذي يُؤتى به ليصدق على مجموعة من الجزئيات ...انظر في قوله تعالى:( أو كالذي مرّ على قرية....)، فقد اختلف أهل اللغة والمفسرون في هذه الكاف على قولين:الأول على أنّ الكاف زائدة، والثاني على أنّها بمعنى»مثل»ليكون التقدير:(أو الذي مرَّ على قرية) أو على تقدير:( ألم ترَ مثلَ الذي مرّ على قرية)، وسلْ ذاتك: لِم جيء بالكاف هنا؟ جاءت الكاف لجعل «الذي مرّ على قرية» أنموذجًا يصدق على كلّ من يوغل في السؤال عن قدرة الله على إحياء خلقه بعد مماتهم، وإعادتهم بعد فنائهم. ومثل ذلك قوله تعالى (أنّي أخلُقُ لَكم من الطّين كهيئةِ الطير، فأنفُخُ فيه فيكونُ طيراً بإذنِ اللهِ)، فالذي يريد أن يباري في قدرته على خلق طير بإذن ربّه، يختار صورة أو هيئة طير مثالية منمذجة على أحسن ما تكون))، انتهى الاقتباس.
وبناءً على ما تقدّم فإنّ ما يشدّ في عضد الرأي الذي ذهب إليه د. سرحت هو أنّ «الكاف» تفيد الصفة، أو هي كالصفة، وذلك بالقياس على كلمة : «مَثَل» التي تفيد الوصف أو التوصيف لا (التشبيه) في بعض تفاصيل المدونة القرآنية ؛ قال تعالى : «مَثَلُهم كمثل الذي استوقد نار...»الآية. قال بعض المشتغلين بالتفسير: إن معنى «مَثَلُهم» أي: صفتهم... (هذا) فضلا عن شيوع التعبير آنف الذكر كتابة وكلامًا لدى طائفة واسعة من كبّار الكتاب والأدباء المعاصرين، وحسبك بالشيوع معيارًا حاكمًا في منظومة الخطأ والصواب، ولا عزاء لنكير بعض المتشددين؛ إذ إن الحقيقة اللسانية التي (يجب) أن تحظى بالقسط الأوفر من التبجيل والتوقير تفيد بأنّ اللغة في أول المطاف، وآخره لا تخرج عن مضمار الاستعمال. ويمكن التماس «جذر» المعنى في مصطلح النمذجة من وحي ما أورده د. أحمد مختار عمر رحمه الله في معرض تسويغه لقولهم: « كمتحدث»، لاسيما من حيث إرادة التعميم في التشبيه، وعدم قصره على شخص المشبّه فحسب، وذلك في قوله: (( يمكن تخريج التعبير...أنّ الكاف زائدة أو على التشبيه حين يكون المشبه به أعم من أن يراد به المشبّه نفسه، والتقدير: كشخص متحدث...وقد وافق مجمع اللغة المصري في دورته الثانية والأربعين على التعبير...)).
معجم الصواب اللغوي/ 2/ 624.