الرواية القصيرة جدا بين البنية السردية والجماليات الفنية 

رؤية في كتاب الرواية القصيرة جدًا  للكاتب حميد الحريزي

.نجلاء نصيــــــــر

 

تتناول هذه الدراسة كتاب "الرواية القصيرة جدًا" للأديب حميد الحريزي، الذي يقدم رؤية تحليلية معمقة حول هذا الجنس الأدبي السردي المستحدث. تحاول الدراسة استكشاف السمات الفنية والجمالية التي تميز الرواية القصيرة جدًا من خلال تحليل النماذج التطبيقية التي أوردها المؤلف، مع تسليط الضوء على البنية السردية والخصائص اللغوية والأسلوبية لهذا الفن الأدبي. كما تناقش الدراسة الإسهام النقدي للحريزي في بلورة مفهوم الرواية القصيرة جدًا وعلاقته بالأنواع السردية الأخرى، لقد  شهد الأدب الحديث تحولات كبيرة في بنيته السردية، حيث ظهرت أشكال جديدة من التعبير الأدبي تستجيب للتحولات الثقافية والاجتماعية المتسارعة. تعد الرواية القصيرة جدًا من بين هذه الأشكال السردية التي فرضت نفسها بقوة، حيث تمتاز بالكثافة اللغوية، والتكثيف السردي، والقدرة على نقل تجربة كاملة في حيز نصي محدود. في هذا السياق، يقدم حميد الحريزي في كتابه "الرواية القصيرة جدًا" دراسة نقدية وتطبيقية تسعى إلى تأطير هذا الجنس الأدبي، وتحليل سماته، وتقديم نماذج تطبيقية توضح بنيته السردية.

أولًا: مفهوم الرواية القصيرة جدًا في كتاب الحريزي

يحدد الحريزي الرواية القصيرة جدًا بوصفها نصًا سرديًا مكثفًا يندرج بين القصة القصيرة والرواية التقليدية، لكنه يتميز باستقلاله عن كليهما من خلال خصائصه الفريدة. ويبرز المؤلف عدة سمات أساسية لهذا الجنس الأدبي، منها:

1. التكثيف والإيجاز: حيث يعتمد النص على لغة موجزة تختزل الأحداث والشخصيات في سياق مكثف.
2. الاعتماد على المفارقة: إذ يقوم السرد على خلق عنصر مفاجئ يغير مسار الفهم التقليدي للنص.
3. البعد الرمزي والدلالي: حيث تعتمد الرواية القصيرة جدًا على الإيحاء والرمزية أكثر من الوصف المباشر.
4. التجريب اللغوي والسردي: من خلال استغلال تقنيات الحذف، والتناص، والانزياح اللغوي.

 

ثانيًا: تحليل النماذج التطبيقية الواردة في الكتاب

يقدم حميد الحريزي مجموعة من النماذج التطبيقية التي تبرز الجوانب الفنية للرواية القصيرة جدًا، ومن أبرزها:

1. نموذج "هذيان محموم":
   • تتمحور هذه الرواية القصيرة جدًا حول تجربة وجودية تتقاطع فيها الهلوسة مع الواقع.
   • يعتمد النص على لغة شعرية مكثفة، وتوظيف الزمن بطريقة غير خطية.
   • يعكس السرد بُعدًا فلسفيًا حول العلاقة بين الوعي واللاوعي.
2. نموذج "الزعفران أرض":
   • يعالج النص موضوع الهوية والانتماء من خلال استرجاع الذاكرة الثقافية.
   • يستخدم الكاتب تقنيات التناص والإيحاء، مما يمنح القارئ دورًا تفاعليًا في تأويل النص.

 

ثالثًا: البنية السردية والخصائص الأسلوبية

1. الزمن السردي:
   • يتسم الزمن في الرواية القصيرة جدًا بالاختزال الشديد، حيث يتم دمج الماضي بالحاضر في بنية دائرية أو متقطعة.
   • يتم توظيف التقطيع الزمني كوسيلة لإبراز التوتر الدرامي.
2. المكان:
   • المكان في الرواية القصيرة جدًا ليس مجرد خلفية للأحداث، بل عنصر دلالي مكثف يوظف لاستكمال المعنى.
   • غالبًا ما يعتمد المكان على الرمزية، كما في "الزعفران أرض" حيث يتحول المكان إلى استعارة عن الهوية.
3. الشخصيات:
   • بسبب التكثيف السردي، تكون الشخصيات غالبًا غير مكتملة، وتعتمد على التلميح أكثر من الوصف.
   • يتم تقديم الشخصيات من خلال أفعالها ورمزية أسمائها أكثر من خلال تطور نفسي معقد.
4. اللغة والأسلوب:
   • تتميز اللغة بالسرد المكثف، والاستغناء عن الزوائد اللغوية.
   • يعتمد الأسلوب على الإيحاء، مما يمنح القارئ فرصة لإعادة بناء النصوص وفق تأويله الخاص.

رابعا: الإسهام النقدي للحريزي

يمثل كتاب "الرواية القصيرة جدًا" إضافة نوعية إلى الدراسات النقدية حول هذا الجنس الأدبي، حيث يسهم في:

1. تأطير الرواية القصيرة جدًا كجنس أدبي مستقل.
2. تقديم نماذج تطبيقية تبرز الجوانب الفنية لهذا الشكل السردي.
3. مناقشة العلاقة بين الرواية القصيرة جدًا والسرد التقليدي.

ورغم أهمية هذا الإسهام، إلا أن الكتاب يواجه بعض التحديات، منها:

• غياب التحليل المقارن الموسع بين التجربة العربية والعالمية.
• عدم التعمق في الأبعاد السوسيولوجية والسياسية التي قد تكون مؤثرة في ظهور هذا الشكل الأدبي.

ومجمل  القول  إنّ

يمثل كتاب "الرواية القصيرة جدًا" لحميد الحريزي مرجعًا مهمًا لفهم هذا الجنس الأدبي، حيث يسلط الضوء على بنيته السردية وخصائصه الأسلوبية. من خلال النماذج التطبيقية، يوضح الحريزي كيف يمكن للرواية القصيرة جدًا أن تحمل تجربة سردية كاملة رغم تكثيفها الشديد. كما يبرز الكتاب أهمية هذا الشكل السردي في سياق التحولات الأدبية الحديثة. ورغم بعض النواقص، يبقى هذا العمل إضافة مهمة في حقل الدراسات النقدية حول الرواية القصيرة جدًا.

التوصيات:

• توسيع الدراسات المقارنة بين الرواية القصيرة جدًا في الأدب العربي والعالمي.
• دراسة الأبعاد السوسيولوجية والسياسية المؤثرة في تطور هذا النوع السردي.
• تعزيز التحليل النقدي للرواية القصيرة جدًا من خلال تناولها في سياق نظريات السرد الحديثة.

 

• شكري وتقديري الكبيرين لهذه القراءة الرائعة والشاملة من قبل الدكتورة نجلاء نصير ، ولكن لي ملاحظة لخصوص مااشرته حول الكتاب  في(غياب التحليل المقارن الموسع بين التجربة العربية والعالمية.) اقول من خلال بحثي ومتابعتي لم اعثر على نص روائي واحد  غربي معلم ومجنس كرواية قصيرة جدا ، على الرغم من اخطاء الترجمة وحتى الذكاء الاصطناعي الذي  يخلط بين القصة القصيرة جدا والرواية القصيرة جدا واحيانا يعتبر الرواية القصيرة  رواية قصيرة جدا مثل رواية المسخ لكافكا ورواية الشيخ والبحر لهمنغواي وهي معروفة روايات قصيرة، وجتفقط نص  لماركيز بعنوان الرجل الكبير ذو الجناحين الطويلين تنطبق عليه توصيفات رواية قصيرة جدا أذ يتكون من 37 صفحة فقط كتبه عام 1955 واعيط طباعته عام 1972 ولكنه لم يعلمه على  الغلف  ولم يجنسه   برواية قصيرة جدا بل رواية فقط.)
• د. نجلاء نصير  دكتوراه الفلسفة في الاداب تخصص الدراسات الادبية النقدية من كلية الآداب جامعة الاسكندرية.