محنة الإفطار في غير بلدك
فيصل عبد الحسن
العراقيون المغتربون في المغرب لم يتجانسوا مع طقوس الطعام المغربية في شهر رمضان، فقد اعتاد الكثيرون من العراقيين وضع الطعام جميعه، وقت ألإفطار أمام المفطرين، على سماط مفتوح، وتبدأ المعركة مع الطعام، حتى بلوغ أقصى غايات الشبع، واللطيف في الأمر أن بعض العراقيين الذين تزوجوا من مغربيات في هذا البلد، وحاولت زوجاتهم جذبهم، لطريقة وطقوس الآكل المغربي في البداية، لكن أكثر أولئك الأزواج لم يقتنعوا ببقاء الصائم حتى ساعة متأخرة من الليل يلهو بأطباق غير رئيسية: كالحلوى والحساء، والفواكه والخضروات، من دون أن يملئوا معداتهم بالتشريب وصحن الرز، وما تيسر من اللحم والدجاج، والسمك المشوي، واستطاع هؤلاء أن يعلموا زوجاتهم المغربيات طريقة إعداد الطعام العراقي!! واتباع طقوسه في الأكل وشرب الشاي الأحمر، الذي لا يتوفر كثيراً في المغرب، فيستعاض عنه بمغلفات شاي اللبتون، لكنه يعوضهم شرب الشاي الأخضر، الذي يمثل لبعض العراقيين نوعا من الدواء العشبي، وليس شايا حقيقيا، لمنع وجع الرأس بعد الصيام.
الحريرة
رمضان يعد بحق من أجمل الشهور في المغرب، وأكثرها متعة للصائمين لما في هذا الشهر الكريم من عادات وطقوس لم يألفها المقيم العراقي، ولم يرَ مثلها في أي بلد عربي أو مسلم آخر.
وتتصف طقوس طعام الإفطار في هذا البلد، بأنها مرتبة ترتيبا تصاعديا (مع ساعات الليل) يبدأ الطبق الأول بعد الآذان لصلاة المغرب، ويكون عادة من حلوى من نوعي (الشباكية) و(البريوات)-أنواع من المعجنات الحلوة المخلوطة بالفستق واللوز والجوز- وكأس حليب، وبعد ساعة يحل وقت تناول الحريرة(نوع من الحساء الثقيل المصنوع من مختلف المواد والخضروات: منها سيقان السلق، وما يسمى بنبات الربيع وحبات الحمص والبيض المخفوق والفاصوليا والقمح والتوابل والمطيبات) ومن يجرب هذا الحساء من العراقيين في العادة يحتاج إلى ساعتين لهضم هذا الحساء العسير الهضم، ولكن المغاربة في العادة يعتبرون هذا جوهر طعام الإفطار للصائم، إذْ من دونه يختل طقس الإفطار، ولا أمل للصائم في اليوم التالي بتحمل جوع الصيام، لأن طبق الحريرة سيبقى في المعدة كما يعتقدون، كبقاء الطعام مخزونا في سنام البعير.
طعام الكسكسى
وبعد ذلك يبدأ طقس شرب الشاي الأخضر، الذي يتم إعداده مع النعناع، وأعشاب أخرى تعطيه طعما خاصا، وكلما ازدادت فقاعات الهواء في كأس الشاي، كلما عبر ذلك عن جودة الشاي المقدم، وبراعة من هيأه للضيوف، وتستمر فقرات الإفطار طوال الليل، حتى يبدأ تناول الطعام الأساسي بعد منتصف الليل بساعة!!عندما ييأس بعض المتطفلين ويتوقفون عن زياراتهم لبيوت جيرانهم، ويكون عادة ذلك الطعام طبقا مما يسمى بالكسكسى( وهو نوع من حب البرغل مع سبعة أنواع من الخضروات: الشلغم، والبطاطا، والجزر، والشجر ألأخضر أو ما يسمى بالكوسة، واللهانة، والطماطم، والربيع، مع حمص وعادة يكون ذلك الخليط من الخضروات والحبوب مع اللحم أو الدجاج) وتمتد عملية صنع هذا النوع من الطعام، وإعداده من المرأة المغربية، طوال نهار الصيام، وكلما تأخرت المرأة في إعداده كلما كان مذاق الطعام جيدا ومرغوبا.
الإفطار الجماعي
ومن الطقوس الرمضانية الطيبة التي تعلمها العراقيون من مهاجرهم في دول العالم، هو الإفطار المشترك للعائلات العراقية التي تسكن في حومة واحدة (الحومة باللهجة المغربية تعني محلة) أو في زنقة واحدة(في شارع واحد) حيث يأتي الدور على العائلات بالتناوب طيلة شهر رمضان الكريم، وتحمل في كل يوم كل أسرة ما أعدَّته من إفطار، ليجمع في البيت الذي أتى عليه إعداد الإفطار الجماعي، ويتم الإفطار الجماعي والدعاء للأهل في العراق بالأمان والسعادة والرفاه، وصلاح الأحوال والتوسل لله تعالى بالعودة السريعة للوطن، وإلى رؤية الأهل والأحباب وزيارة المراقد المقدسة، وممارسة العادات الرمضانية وسط الأهل والأحباب بدلاً من محنة الإفطار في غير بلدك، وتعود فكرة الإفطار الجامع إلى عراقي كان يعيش في ماليزيا ورأى ما يفعله المسلمون في ذلك البلد من إفطار جماعي خلال الشهر الكريم.
الملحون
ومن طقوس رمضان في المغرب بعد صلاة العشاء، ما تؤديه بعض فرق الملحون من توسلات بالخالق تعالى، ومن أمداح نبوية شريفة تؤديها فرق شعبية ترتدي ملابس خاصة، وطرابيش، أو عمامات صفراء، وكل مجموعة لها طريقة في الأداء، وتستخدم الطبول، والمزامير الطويلة المأسورات، فقط أثناء ترديد تلك الأذكار والتوسلات، وفي بعض المساجد تتم القراءة الجماعية للقرآن الكريم، بترتيل مجود، إضافة إلى بعض ألأمسيات الثقافية، التي تذكر فيها مناقب الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، وتردد الأشعار والأمداح وسير أبطال الإسلام ومناقبهم، في جو من البهجة والأخوة الصادقة والمحبة الخالصة لأيام هذا الشهر الكريم.
كاتب مقيم بالمغرب