الخطاب الاعلامي والتنوع الثقافي ضرورة مجتمعية
رياض محمد كاظم
هناك علاقة وثيقة مابين الإعلام والثقافة فكل منهما يؤثر في الآخر فالإعلام ووسائله يقوم بدور أساسي في رعاية وحماية الثقافة والتي هي ايضا بدورها تعد وظيفة تنموية تسهم بشكل او بأخر في ابراز الهوية الوطنية والقومية لأي امة من الامم في مقاومة الغزو الثقافي والفكري .
من هنا يمكننا القول ان وسائل الاعلام هي أدوات ثقافية تعمل على تعزيز الانماط السلوكية للإفراد وتسعى لتحقيق التكامل الاجتماعي ودعم المواقف ونشرها اذا اقتضى الامر ، فضلاً عن ذلك فأنها تقوم بدور اساسي في تطبيق السياسات الثقافية .
لذلك فان العلاقة مابين الخطاب الاعلامي والتنوع الثقافي هي علاقة فكرية اتصالية معرفية أركانها المضامين الاعلامية والنظم المجتمعية بما فيها العادات والقيم الاجتماعية ، ولاشيء يفصل بينهما والإعلام هو المرأة العاكسة للحياة المجتمعية بكل مجالاتها .
وتأسيسا على ذلك فان ثقافتنا ووسائل اعلامنا تشهد نوع من الخلط في ابراز مفهوم التعدد والتنوع الثقافي في ظل التطور التكنولوجي الحاصل خاصة في مجال الاعلام والاتصال ، وهذا ما انعكس على الممارسات الثقافية التي تعبر عنها وسائل الاعلام الامر الذي ادى الى الغموض والارتباك في عرض المحتوى الثقافي للقارئ والمستمع والمشاهد مع اً ، كون المحتوى والعرض المقدم جاء نتيجة جهود ذاتية أحياناً وبعيده عن الالتزام بشروط الوعي الثقافي والارتقاء بالذوق العام ، فضلاً عن ذلك فان الخطاب الاعلامي اليوم وفي ظل هذا التطور التقني اصبح هو الفاعل الرئيسي لتدفق المعلومات والمحتوى والمضمون الثقافي وتعميم نمط ثقافي باستخدام التقنيات الحديثة وتأثيرها في جميع الفنون الصحفية ومنها الصورة الصحفية والتلفزيونية وهذا ما عزز بروز ظاهرة
الاختراق الثقافي ، وشكل تهديدا للتنوع الثقافي المجتمعي وتجسد في عدم احترام الهوية الثقافية للدولة ومؤسساتها والمجتمع ومكوناته .
لذا فان المشكلة الرئيسة التي تواجه وسائل اعلامنا ومجتمعنا اليوم تتحدد في معرفة مدى طبيعة الدور الذي يمكن ان يؤديه الخطاب الاعلامي في تعزيز التنوع الثقافي المجتمعي .. وبغية معرفة ذلك يتطلب ألأمر منا
اولاً – تحديد مهام المنظومة الاعلامية في دعم التنوع الثقافي المجتمعي ، وهذا يتجسد في ضرورة فهم الافراد وطبيعة ميولهم واتجاهاتهم ومعرفتهم ، فالدول تختلف في قيمها الثقافية ، ورؤيتها للواقع مشروطة بالمرجعية الثقافية وما تمتلكه من ارث حضاري وثقافي وكيفية التعامل والتعاطي مع الاخر محلياً وإقليميا ودولياً ، لذا يكون تأثير وسائل الاعلام فاعلاً ليس فقط من ناحية التفكير وإنما في التصرف والسلوك الانساني ايض اً ، وإيجاد مساحات للتقارب والتنوع الثقافي واحترام القيم الاجتماعية والحضارية لكافة مكونات المجتمع وتوظيف وسائل الاعلام بكل اطيافها لنشر ثقافة افكار التسامح والتعايش السلمي ، وبما ان الاعلام هو نافذة العالم ويرى الفرد من خلالها ثقافته وحضارته ويقارنها بحضارات وثقافات الشعوب الاخرى وتقدمها ، كانت هذه الوسائل تشكل الجانب المهم في تكوين الاتجاهات والمواقف باعتبارها الاداة الفعالة في تنمية الوعي المعرفي الثقافي المجتمعي ، وتمتلك وسائل الاعلام القدرة على تيسير الحوار وتجاوز التصورات النمطية الموروثة والحد من الجهل وتعزيز روح التسامح بحيث يكون التنوع فرصة للم الشمل والتفاهم والتسامح ، وبضوء هذه المعطيات اصبح التنوع الثقافي حقاً من حقوق الشعوب ، وهذا ما طالبت به اليونسكو في تضمين مبادئ التنوع الثقافي في المضامين الاعلامية والاتصالية مع الحفاظ على المشتركات الثقافية واللغوية والدينية في المجتمع .
ثانياً - معرفة واقع التنوع الثقافي في الخطاب الاعلامي العراقي ، عرف العراق منذ القدم بثرائه المادي وبتنوعه الثقافي واللغوي والفكري وبموقعه الجغرافي المتميز الذي اتاح له الانفتاح والتفاعل مع الحضارات الاخرى ، والتي اسهمت في تشكيل حضارته وهويته وشخصيته الثقافية المتنوعة بطوائفه المتعددة ، وقد جسد هذا التنوع والتعدد في جميع الدساتير والقوانين
والتشريعات العراقية والتي اشارت الى التعدد والتنوع الثقافي في اطار الهوية الوطنية العراقية .
وتأسيسا على ذلك سعى العراق على اصلاح قطاع الاعلام والاتصالات عن طريق اعادة هيكلته وارتباطاته الادارية في ضوء التطورات العلمية والمعرفية التي شهدها العالم ، وفسح المجال للوسائل الاعلامية بكل اطيافها ) المقروءة ، المرئية ، المسموعة ، ووسائل الاعلام الجديد ( للقيام بدورها الفاعل في تنمية الوعي الثقافي المجتمعي عن طريق اطلاق حزمة متنوعة من ) الصحف والقنوات ومواقع التواصل الاجتماعي ( وتعدد وتنوع البرامج الحوارية والمواد الاعلامية لعموم افراد المجتمع بهدف وضعهم بصورة قريبة نوع ما من المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والذي شهد تقلبات عدة أدت الى اهتزاز بعض القيم المجتمعية وبروز حالات الفساد والرشوة والتطرف في الرأي ، بالمقابل ايضاً يتحقق التنوع الثقافي في الخطاب الاعلامي عندما تتيسر الوسائط والمتمثلة في المنتج الثقافي وإبداعاته الفكرية ومضامينه المعرفية والتثقيفية والترفيهية ، وفي خضم هذا التحول نرى ان الثقافة العراقية قد شهدت تحولاً كبيراً في عمل وسائل الاعلام بكل اطيافها سواء كانت المقرؤة او المرئية او المسموعة وهذا التحول ولد بعض الارتباك والغموض أحيان اً في فهم طبيعة المحتوى الاعلامي ومقاصده وباستثناءات قليلة فالمواد الاعلامية المقدمة للجمهور اليوم قد لاتفي بشروط الوعي الثقافي المجتمعي المنشود .
وهذا يدعونا للقول ان الاستراتيجية الثقافية الجديدة للخطاب الاعلامي في وسائل الاعلام العراقية بلغت مستويات متفاوتة واعتمدت بشكل كبير على الثقافة الاستهلاكية عن طريق التركيز على متطلبات الحياة اليومية والعيش الكريم وأغفلت المتطلبات الاخرى بل أشارت اليها بشكل خجول لايرتقي لمستوى الطموح وهي حق حرية الرأي والتعبير وحق المشاركة السياسية وممارسة الحقوق الاخرى ، مقابل ذلك رصدنا هناك محاولات لمنابر اعلامية سعت لخطاب اعلامي متنوع ثقافياً إلا انه كان يعاني من ضعف المحتوى والمضمون الثقافي ، فضلاً عن ذلك لاحظنا ان الخطاب الاعلامي العراقي يشهد حالة من الارتباك بدءً من مصادر الانتاج وهوية من يقوم بوضع تصوراته وبالمضامين والقيم المجتمعية التي يعمل المختصون على صناعتها وطبيعة
الوسائل الاتصالية والإعلامية المعتمدة لنقل هذا المحتوى ومدى تأثيرها في المجتمع .
بضوء هذه المعطيات يمكننا القول ان الخطاب الاعلامي العراقي في مختلف روافده ووسائله أتسم بالاتي :
1 – تباين في مضمونه ومحتواه ونوعية برامجه فضلاً عن ضعف الجودة الاعلامية ولم يقدم خطاب ثقافي هادف متنوع قادر على اشباع الحاجة الفعلية للمتلقي ،الأمر الذي جعله يتنقل مابين ) الصحافة ، القنوات الاذاعية والتلفزيونية ( العربية والدولية وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي لإشباع حاجته المعرفية والثقافية .
2 – بحكم التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم في كافة المجالات والميادين ، ولغرض استثمار هذا التطور بشكل امثل خاصة في مجال الاعلام لابد من توافر جهود تضامنية ) الدولة ، المؤسسات الاعلامية والثقافية ، المؤسسات القضائية ، المؤسسات التربوية، المؤسسات الامنية ( لإعداد إستراتيجية تسهم في ابراز موضوع التنوع الثقافي ، وان وجدت لكنها ليست بالمستوى المطلوب .
3 - نرى من الضروري الاهتمام و العناية بالتراث والمرافق السياحية والأنشطة الثقافية وتسليط الضوء عليها وإشباع الثقافة الاستهلاكية للمجتمع من خلال تقديم محتوى يرتقي بذوق المجتمع ) الجمهور ( في متابعة وسائله الاعلامية المحلية ، وما نشاهده ونقراه اليوم لا يحقق الهدف المنشود
4 – عدم السعي الجاد لتأهيل الكفاءات الاعلامية والاستفادة من التكنولوجية الرقمية لغرض الابداع والابتكار ، رغم وجود مبادرات فردية لتأهيل الكوادر لكنها لأتحقق الغاية المطلوبة .
5 – غياب التشريعات والقوانين الاعلامية التي تنظم العمل الاعلامي والتي تنسجم مع التطورات العلمية وعدم تحديثها بالشكل الذي يلائم العصر وتطوراته اسهم في ضعف وهبوط المحتوى الاعلامي .
عموماً يمكننا القول ان الثقافة شجرة كبيرة يتفرع منها الفكر والسلوك والانفتاح وعدم اقصاء الاخر وسوء الظن فيه ، لذا توجب التنبيه الى ضرورة اعداد خطاب اعلامي ثقافي رصين يرسخ القيم والفكرية والتوعوية والمعرفية لإبراز حالة مجتمعية متماسكة رداً على الهوان الذي اصاب المجتمع من جراء الاحداث والظروف التي مر بها والتي حاولت بشكل او بأخر تفكيك البنية الوطنية والتأثير في مفاصلها ، فكانت افكار الشر والتطرف والإرهاب تعد بمثابة أخطار تهدد المواطنة المجتمعية ، فضلاً عن ذلك فان التنوع الثقافي يشكل تراثاً مشترك اً للبشرية ينبغي المحافظة عليه وتعزيزه واستثماره بكل السبل
.
ختاماً ولكي ننهض بخطابنا الاعلامي وثقافتنا لابد لنا ان نحترم عقل الانسان لنتجنب اي ارتدادات داخلية تنجم عن التخلي عما الفه افراد المجتمع في ثقافتهم وأفكارهم والعمل على تبني سياسة ثقافية جديدة تتمثل بإعادة تنظيم هيكلية المؤسسات الاعلامية وخاصة الرسمية منها وإصدار تشريعات جديدة تنسجم مع التطور العلمي والتكنولوجي والرقمي لإنتاج ثقافة عراقية يسلط فيها الضوء على تاريخ العراق وحضارته وعمق تراثه وحياته الاجتماعية ومنظومة قيمه وعاداته وتقاليده الاجتماعية ونبذ المظاهر السلوكية السلبية والثقافة التي تشوه الاعراف السائدة في المجتمع .