الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
اليوم‭ ‬الوطني

بواسطة azzaman

اليوم‭ ‬الوطني

حسن النواب

 

قبل‭ ‬أسبوعين‭ ‬صادف‭ ‬يوم‭ ‬استراليا‭ ‬الوطني؛‭ ‬يطلقون‭ ‬عليه‭ ‬Australia‭ ‬day‭ ‬حيث‭ ‬احتفلت‭ ‬مدينة‭ ‬بيرث‭ ‬Perth‭ ‬التي‭ ‬أقيم‭ ‬فيها‭ ‬منذُ‭ ‬ثلاثة‭ ‬وعشرون‭ ‬عاماً‭ ‬مع‭ ‬مغيب‭ ‬الشمس‭ ‬بمهرجان‭ ‬الألعاب‭ ‬النارية‭ ‬والتي‭ ‬استمرت‭ ‬تنفلق‭ ‬بألق‭ ‬شهبها‭ ‬الملونة‭ ‬لساعة‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬المدينة‭. ‬كان‭ ‬قد‭ ‬سبق‭ ‬موعد‭ ‬بدء‭ ‬الألعاب‭ ‬النارية‭ ‬بساعات؛‭ ‬توقف‭ ‬حركة‭ ‬المواصلات‭ ‬داخل‭ ‬المدينة‭ ‬نتيجة‭ ‬زحام‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬توافدوا‭ ‬زرافات‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬فج‭ ‬عميق‭ ‬ومن‭ ‬منازلهم‭ ‬البعيدة،‭ ‬وهم‭ ‬يحملون‭ ‬العلم‭ ‬الأسترالي‭ ‬أو‭ ‬يرتدونه‭ ‬كزيًّ‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬المتحمسين‭ ‬لهذا‭ ‬اليوم‭ ‬الوطني،‭ ‬بينما‭ ‬حرص‭ ‬الأطفال‭ ‬والفتيات‭ ‬المراهقات‭ ‬على‭ ‬طبع‭ ‬العلم‭ ‬الاسترالي‭ ‬على‭ ‬جباههنَّ‭ ‬وخدودهنَّ‭ ‬وأكفهنَّ‭ ‬وأفخاذهنَّ‭ ‬وصدورهنَّ‭ ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬نهودهنَّ‭ ‬شبه‭ ‬العارية؛‭ ‬كانوا‭ ‬يردِّدونَ‭ ‬بصوت‭ ‬أوبرالي‭ ‬أُوزي،‭ ‬أُوزي،‭ ‬وهي‭ ‬كلمة‭ ‬الدلع‭ ‬التي‭ ‬تطلق‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬الأسترالي،‭ ‬بينما‭ ‬تجمَّع‭ ‬الناس‭ ‬بشكل‭ ‬مكثف‭ ‬عند‭ ‬ضفاف‭ ‬نهر‭ ‬Swan‭ ‬‭ ‬الذي‭ ‬يشطر‭ ‬المدينة‭ ‬إلى‭ ‬نصفين،‭ ‬حيث‭ ‬يمكنهم‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬مشاهدة‭ ‬الألعاب‭ ‬النارية‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬وهي‭ ‬تنفلق‭ ‬بتشكيلاتها‭ ‬الضوئية‭ ‬فوق‭ ‬النهر‭ ‬مع‭ ‬حلول‭ ‬الظلام،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬اختار‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬حديقة‭ ‬الكنز‭ ‬بارك‭ ‬Kings‭ ‬park‭  ‬وتعني‭ ‬بالعربية‭ ‬حديقة‭ ‬الشهداء‭ ‬الذين‭ ‬استشهدوا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬تلك‭ ‬الحديقة‭ ‬التي‭ ‬شهقت‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬أشجار‭ ‬الغابات‭ ‬على‭ ‬مرِّ‭ ‬السنين‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬الإنسان‭ ‬والتي‭ ‬ترتفع‭ ‬بمئات‭ ‬الأمتار‭ ‬عن‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬وتطلُّ‭ ‬بشكل‭ ‬مدهش‭ ‬على‭ ‬مركز‭ ‬المدينة،‭ ‬ولشدة‭ ‬ارتفاع‭ ‬هذه‭ ‬الحديقة‭ ‬ترى‭ ‬السيارات‭ ‬المنطلقة‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬المدينة‭ ‬بحجم‭ ‬علب‭ ‬الكبريت؛‭ ‬مثلما‭ ‬بوسعك‭ ‬رؤية‭ ‬التلال‭ ‬والمزارع‭ ‬والحقول‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬عند‭ ‬مشارف‭ ‬المدينة،‭ ‬إذْ‭ ‬تعد‭ ‬حديقة‭ ‬الكنز‭ ‬بارك‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬السياحية‭ ‬الأثيرة‭ ‬لدى‭ ‬السائح‭ ‬القادم‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬بيرث،‭ ‬لروعة‭ ‬أشجارها‭ ‬العملاقة‭ ‬وهندسة‭ ‬حدائقها‭ ‬الغنّاء‭ ‬ولسحر‭ ‬إنارتها‭ ‬ومرافقها‭ ‬السياحية‭ ‬الأخرى،‭ ‬ثم‭ ‬شعلة‭ ‬النار‭ ‬الليزرية‭ ‬المتوهجة‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحديقة‭ ‬والتي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬تضحية‭ ‬الشهداء‭ ‬وخلود‭ ‬ذكراهم‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬الشعب‭ ‬الأسترالي؛‭ ‬مع‭ ‬توفر‭ ‬الحانات‭ ‬ومقاهي‭ ‬الكوفي‭ ‬شوب‭ ‬ومتحف‭ ‬صغير‭ ‬يضمُّ‭ ‬لوحات‭ ‬بنقوش‭ ‬ملونة‭ ‬تبدو‭ ‬غريبة‭ ‬وغير‭ ‬مألوفة،‭ ‬رسمها‭ ‬السكان‭ ‬الأصليون‭ ‬والذين‭ ‬يطلق‭ ‬عليهم‭ ‬تسمية‭ ‬الأبروجنول‭ ‬لدى‭ ‬عامة‭ ‬الناس،‭ ‬لكني‭ ‬لاحظت‭ ‬عند‭ ‬حضوري‭ ‬فعالياتهم‭ ‬الثقافية‭ ‬أنَّ‭ ‬جميع‭ ‬الأدباء‭ ‬الأستراليين‭ ‬الذين‭ ‬يصعدون‭ ‬إلى‭ ‬المنصَّة‭ ‬وقبل‭ ‬قراءة‭ ‬نصوصهم‭  ‬يدلونَ‭ ‬بهذا‭ ‬الاعتراف‭: ‬نحنُ‭ ‬نعترف‭ ‬بسيادة‭ ‬الشعوب‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأراضي‭ ‬والمياه‭ ‬التي‭ ‬نجتمع‭ ‬فيها؛‭ ‬ونقدّم‭ ‬كل‭ ‬الاحترام‭ ‬لأجدادهم‭ ‬ولآبائهم‭ ‬وللأمم‭ ‬التي‭ ‬حافظت‭ ‬واهتمت‭ ‬بهذه‭ ‬الأرض‭ ‬منذ‭ ‬التكوين،‭ ‬كما‭ ‬نحيي‭ ‬ونقدر‭ ‬جميع‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬وسكان‭ ‬الجزر‭ ‬الذين‭ ‬هنا‭ ‬اليوم،‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬هي‭ ‬أرض‭ ‬الله‭ ‬وروح‭ ‬الله‭ ‬تسكن‭ ‬هنا،‭ ‬ونحن‭ ‬نعترف‭ ‬بالسكان‭ ‬الأصليين‭ ‬هم‭ ‬الأمناء‭ ‬الأساسيين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬ونحنُ‭ ‬نلزم‭ ‬أنفسنا‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بالعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المصالحة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭. ‬وهو‭ ‬اعتراف‭ ‬واضح‭ ‬وصريح‭ ‬لهؤلاء‭ ‬القوم‭ ‬بأحقيتهم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬أستراليا‭. ‬يزور‭ ‬هذه‭ ‬الحديقة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬ملايين‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬بقاع‭ ‬العالم،‭ ‬زحام‭ ‬شديد‭ ‬تحتضنه‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬يذكّرني‭ ‬بزحام‭ ‬الزائرين‭ ‬في‭ ‬مدينتي‭ ‬كربلاء‭ ‬أيام‭ ‬المناسبات‭ ‬الدينية؛‭ ‬لكنَّ‭ ‬زحام‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بيرث‭ ‬يشعرك‭ ‬بالبهجة‭ ‬والحبور‭ ‬وليس‭ ‬باللطم‭ ‬والنحيب؛‭ ‬حين‭ ‬تبصر‭ ‬حشود‭ ‬الشقراوات‭ ‬بجمالهن‭ ‬الفاتن‭ ‬كحور‭ ‬عين‭ ‬هبطن‭ ‬من‭ ‬الفردوس،‭ ‬ومازال‭ ‬الاحتفال‭ ‬بهذا‭ ‬اليوم‭ ‬الوطني‭ ‬موضع‭ ‬جدل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬والحكومة‭ ‬ولدى‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬خصوصاً؛‭ ‬حيث‭ ‬يعتبرونهُ‭ ‬يوم‭ ‬نكبة‭ ‬لهم؛‭ ‬ويفضّلون‭ ‬تسميته‭ ‬بيوم‭ ‬الاحتلال،‭ ‬إذْ‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬السادس‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭ ‬إحياء‭ ‬ذكرى‭ ‬وصول‭ ‬أول‭ ‬أسطول‭ ‬بحري‭ ‬بريطاني،‭ ‬والمكون‭ ‬من‭ ‬11‭ ‬باخرة،‭ ‬إلى‭ ‬استراليا‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1788؛‭ ‬حيث‭ ‬جاءَ‭ ‬البريطانيون‭ ‬إلى‭ ‬استراليا‭ ‬وأنشئوا‭ ‬مستعمرتهم‭ ‬في‭ ‬نيو‭ ‬ساوث‭ ‬ويلز‭ ‬New‭ ‬South‭ ‬Wales‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬الساحل‭ ‬الشرقي‭ ‬لأستراليا،‭ ‬لكنَّ‭ ‬الطريف‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬حين‭ ‬ترى‭ ‬معظم‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬ينتهزون‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬لشرب‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬النبيذ‭ ‬الذي‭ ‬يوّزع‭ ‬مجاناً‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحانات،‭ ‬وتجد‭ ‬بعضهم‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬تنال‭ ‬منهم‭ ‬الثمالة‭ ‬يصرخون‭ ‬ساخطين‭ ‬بصوت‭ ‬محتج‭ ‬على‭ ‬وجوه‭ ‬الحشود‭ ‬المحتفلة‭ ‬ومن‭ ‬أعراق‭ ‬شتَّى‭ ‬وجنسيات‭ ‬مختلفة‭ ‬Go‭ ‬out‭ ‬from‭ ‬my land‭ ‬أخرجوا‭ ‬من‭ ‬وطني‭.  ‬غير‭ ‬أني‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬لم‭ ‬أبرح‭ ‬المنزل‭ ‬بينما‭ ‬ذهبت‭ ‬العائلة‭ ‬لمشاهدة‭ ‬مهرجان‭ ‬الألعاب‭ ‬النارية،‭ ‬كنت‭ ‬وحيداً‭ ‬أتابع‭ ‬عبر‭ ‬الفضائيات‭ ‬مشهد‭ ‬عودة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬ديارهم‭ ‬التي‭ ‬طالها‭ ‬الخراب،‭ ‬وقلبي‭ ‬يتفطَّرُ‭ ‬ألماً‭ ‬ويرعف‭ ‬دمعاً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬آل‭ ‬إليه‭ ‬حالهم‭ ‬وهم‭ ‬يزحفون‭ ‬ليرقدوا‭ ‬قرب‭ ‬منازلهم‭ ‬المحطمة؛‭ ‬كانت‭ ‬أوجاعهم‭ ‬واستغاثتهم‭ ‬تلاحقني‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القارة‭ ‬البعيدة،‭ ‬وفرقٌ‭ ‬شاسعٌ‭ ‬بين‭ ‬شعب‭ ‬يحتفل‭ ‬هنا‭ ‬وشعب‭ ‬ينزف‭ ‬دماً‭ ‬هناك؛‭ ‬بينما‭ ‬الحكَّام‭ ‬العرب‭ ‬يتفرجون‭ ‬بقلوب‭ ‬ميتة‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحشود‭ ‬المشرَّدة‭ ‬التي‭ ‬بح‭ ‬صوتها‭ ‬من‭ ‬الأسى‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تنشد‭ ‬سوى‭ ‬حقوقها،‭ ‬حقوقها‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬ستبقى‭ ‬مغتصبة؛‭ ‬وتساءلت‭ ‬بحرقة‭ ‬ترى‭ ‬متى‭ ‬أرى‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬يحتفل‭ ‬بيوم‭ ‬وطني‭ ‬حقيقي؛‭ ‬فهو‭ ‬البلد‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬يوماً‭ ‬وطنياً‭ ‬خالصاً‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬


مشاهدات 73
الكاتب حسن النواب
أضيف 2025/02/10 - 11:28 PM
آخر تحديث 2025/02/12 - 3:35 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 115 الشهر 6219 الكلي 10401590
الوقت الآن
الأربعاء 2025/2/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير