فاتح عبد السلام
المشهد الذي ظهر فيه الفلسطينيون وهم يعودون من جنوب قطاع غزة الى شمالها، كان مهيباً و ذا رهبة إنسانية كبيرة. مئات الألوف بعضهم حفاة والأخرون يحملون المتاع البسيط على ظهورهم، يتدفقون بمحاذاة البحر بعد يوم من الانتظار في العراء حيث لا طعام ولا خدمات لهذه الجموع التي أصرت على الرجوع الى الشمال الذي لم يبق فيه حجر على حجر لتبدأ فصول جديدة من المأساة.
ذلك المشهد المؤثر بحد ذاته رد كاف ومستوف لبلاغة الدلالة وقوة الرسالة على دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير أهالي القطاع الى الأردن ومصر، وهو المشروع الذي رفضته القيادتان الأردنية والمصرية فضلاً عن الرفض الفلسطيني وتداعياته.
هناك مَن يريد تجيير المواقف وخرق أوضاع المنطقة الساخنة والقلقة أصلاً والافادة من الاندفاع العارم لترامب في دعم إسرائيل لاسيما بعد دوره الذي وصفه رئيس الوزراء البريطاني ستارمر بالتاريخي في ابرام اتفاق وقف النار في غزة قبيل دخوله البيت الأبيض.
تغلفت دعوة ترامب بغشاوة مَن لا يرى وجوداً مؤثراً وحقيقياً لحلفائه في الشرق الأوسط سوى إسرائيل، متناسياً دور الأردن ومصر، فضلاً عن الثقل السعودي النوعي الذي قد يدخل في معادلة رفض تهجير الفلسطينيين إذا تحولت الدعوة الي إجراءات عملية خارقة.
الآن لابد من انجاز العمل في إقامة مؤتمر دولي تتصدره الدول العربية المؤثرة يدعو لإطلاق مسار جديد نحو إقامة الدولة الفلسطينية، ووضع الإدارة الامريكية أمام مسؤولياتها في دعم حل الدولتين الذي سبق أن أيدته ولكن صوتها خفت بعد حرب غزة.
اذا لم يكن هناك تحرك عربي دولي فلسطيني سريع، سيولد فراغ يذهب لصالح ترويج الدعوة التي اطلقها ترامب وكأنّه كان يردد مقولة يلقنها اياه شخص يقف جنبه.
أهالي غزة وهم حفاة وجائعون ومنكوبون أرسلوا رسالة الى ترامب من دون يلتفتوا اليه، حتى من دون ان يكونوا قد سمعوا دعوته الأخيرة للتهجير.
العرب يبدون أمام ضعفهم المتناسل برغم وجود عناصر القوة بين أيديهم وعلى اراضيهم، نوعا اخر من الحفاة ، لكن لا تزال بيدهم فرصة لكي يصنعوا مستقبل المنطقة المرتكز الى السلام.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية