الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الموت يمر من هنا حكاية عن الطغيان والرجال الشجعان 

بواسطة azzaman

الموت يمر من هنا حكاية عن الطغيان والرجال الشجعان

  رامي فارس الهركي

 

إن يضع المؤلف بين يدي القارئ رواية قوامها 512 صفحة فهو يعلم جيدا أن ما يضعه سيدفع بالقارئ للاندماج مع أحداث الرواية لدرجة أن شخوصها المتعددة وصراعاتهم مع الاحداث وتعشعش في ذاكرته للابد.

"الموت يمر من هنا"، عمل روائي كبير من إبداعات الأديب السعودي عبده خال الذي لطالما عود القراء على أعمال أدبية مختلفة كليا من حيث الفكرة والمضمون تدور مسرح أحداثها في المناطق الحجازية والنجدية الغنية بالتاريخ والتراث والأساطير الشعبية، فالقارئ ومن خلال الرواية يتعرف على ثقافات الشعوب وعاداتها وتاريخها ومراحل تطورها في كافة الأصعدة إضافة إلى إرثها المعرفي واللغوي.

اعماله تسافر بنا بعيداً نحو القرى الحجازية البعيدة في بطون الوديان والصحاري القاحلة.

"الموت يمر من هنا"، رواية ليست كغيرها، نحن امام عمل ادبي فاق التوقعات من حيث الفكرة والشخصيات ومسارها ضمن الحدث الروائي. 

تدور أحداثها في قرية "السوداء" النائية والبعيدة التي تقبع منعزلة خلف الوديان والقرى الأخرى، قرية لا أحد يجرؤ على زيارتها أو الهروب منها ومن حاول ذلك كان الموت من نصيبه ذلك لأن طريقها يمر عبر الأحراش التي تعج بمختلف المخلوقات السامة من عقارب وأفاع والقتلة وقطاع طرق، فالموت مقيم فيها لا يبرحها.

أناسها يعيشون حياتهم مكللة بالأحلام والطموحات ولكن ضمن حدود "السوداء"، فقط ولا تخرج للعالم الحي البعيد بل هم لا يتصورون من أن هناك عالما آخر خارج هذا المكان...

شخصيات "الموت يمر من هنا"، متعددة وتسير ضمن مسارات مختلفة ومتقاطعة وقليل ما تلتقي الشيء الوحيد الذي يجمعها دائما هو الموت الذي تمثل في شخصية "السوادي"، سيد القلعة الهيبة التي لا يخرج منها من يدخلها الا الى المقبرة، السوادي رجل متحكم يخضع له الجميع يملك هذه القرية ومن عليها يسلب، يقتل، يغتصب، يغيب، دون ان يجرؤ احد على الوقوف امامه تحيط به حاشية فاسدة جشعة لا تشبع، ويحرسه ويرتكب جرائمة جيش من اتباع قساة لا يردعهم رادع ومن حاول مقاومتهم مصيره معلوم فأما السجن في القلعة الرهيبة أو الموت في كل الأحوال كما حصل للجدة نوار وعبد الله ودرويش الذي وضع القارئ في حيرة من أمره هل انتحر أم كانت طريقة موته البشعة من فعل فاعل.

السوادي بسط سيطرته على القرية وجعل الجميع يخصع له بل ويقدسونه، فقد حيكت حوله الاساطير كيف ومتى جاء. عاش الجميع وسط دوامة الحزن واليأس والقهر والحرمان.

في الموت يمر من هنا القارئ أمام نوعان من الشخصيات الأول الذي اختار الخضوع للسوادي خوفا من العواقب والثاني شخصيات اختارت الوقوف والاعتراض على السوادي وما يقوم به أعوانه من السلب والاستحواذ على ألاراضي الزراعية مثل شخصيات درويش والزعيلي وعبده خواجة اللذين اقسما ان يقتلا السوادي وعبد الله وموتان.

أكثر الشخصيات من حيث الحضور والتفاعل مع الشخصيات الاخرى هي دوريش المجنون كما يطلقون عليه الاهالي هناك، ربما درويش كان الوحيد العاقل بين هولاء المجانين، فهذا الشخص الذي كان يعتبره السوادي عبدا له حيث كان يعمل في الحظائر والحقول من دون اجر، ربما كان العاقل الوحيد بينهم جميعاً، كانوا ينعتونه بالمجنون  وما هو بذلك، درويش لطالما قام بتحريض الاهالي وتنبيههم لما يقوم به السوادي فقد كان يتحدى السوادي ورجاله كلما سنحت الفرصة لذا كان نصيبه الاهمال والتحقير والسجن والموت بظروف غامضة.

بالاضافة الى درويش هناك عبد الله الذي قذفه اعوان السوادي وسط السيول ليلقى حتفه بعد قام السوادي بسلب حقوله الزراعية و موتان الذي مات عن طريق السوادي كذلك.

الرواية عميقة وشخصياتها متعددة غزيرة بالمواقف والأحداث غنية بأسلوبها، الفكرة الأساسية من هذا العمل هو الظلم أن ترى الظلم متجسدا في إنسان واحد لا تستطيع الجموع الآيتان بفعل قد يحد أو ينه هذا الظلم لذا؛ تراهم جميعا منساقين مستسلمين إلا البعض منهم فضل الموت وهو واقف وهذا ما حصل.

وكم مر الموت على هيئة اشخاص مثل السوادي علی اناس لمجرد انهم شعروا فی لحظة‌ ما انهم بشر ولهم الحق فی العیش الكریم بعیدا عن الخضوع للاخر.

عبده خال كاتب وروائي سعودي. فازت روايته "ترمي بشرر" بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2010 وحازت روايته "لوعة الغاوية" جائزة أفضل رواية لكاتب سعودي 2013. صدر له "صدفة ليل"، "أنفس"، "لوعة الغاوية"، "الطين"، "فسوق"، "مدن تأكل العشب"، "الايام لا تخبىء أحد"، "الموت يمر من هنا".

 

 صحفي عراقي

 


مشاهدات 32
الكاتب   رامي فارس الهركي
أضيف 2025/01/20 - 4:20 PM
آخر تحديث 2025/01/21 - 2:03 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 49 الشهر 9483 الكلي 10199448
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/1/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير