العقدة الكردية بين تركيا وأمريكا.. تحدّيات التنسيق بعد سقوط نظام الأسد
محمد علي الحيدري
شهدت الساحة السورية تحولات تاريخية مع سقوط نظام بشار الأسد بعد سنوات من الصراع المستمر. وهذا التطور المفاجئ أعاد تشكيل التوازنات الإقليمية، حيث تمكنت فصائل المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام من السيطرة على دمشق وأجزاء واسعة من البلاد بدعم دولي وإقليمي غير مسبوق.
انهيار النظام فتح الباب أمام تحديات جديدة، أبرزها فراغ السلطة، وعودة تنظيم “داعش”، وتصاعد التوترات بين الفاعلين المحليين والإقليميين.
ومع سقوط الأسد، بقي الوجود العسكري الإيراني في سوريا حاضراً بشكل لافت، وإن كان قد أعاد ترتيب أولوياته. فالجماعات المسلحة المدعومة من إيران، التي كانت تدعم النظام السابق بشكل مباشر، وجدت نفسها أمام واقع جديد يتطلب التكيف مع السلطة الانتقالية أو القوى المحلية المسيطرة في المناطق المختلفة. لذا فان الوجود الإيراني في سوريا، رغم التراجع النسبي، ما زال يتركز في بعض المناطق الاستراتيجية، مثل محيط دمشق، والجنوب السوري، وشرق البلاد.
وتشهد العلاقة بين إيران والسلطة الجديدة في سوريا
توتراً ملحوظاً، حيث ينظر كثير من السوريين إلى الوجود الإيراني كجزء من موروث النظام السابق، خصوصاً مع اتهامات موجهة لإيران بدورها في دعم القمع والعنف خلال سنوات الصراع.
فراغ امني
من جهتها السلطة الجديدة، التي تحاول كسب شرعية داخلية ودولية، تجد نفسها مضطرة لإعادة تقييم العلاقة مع إيران لتجنب عزلة إقليمية أو دولية. ومع ذلك، ما زالت طهران تسعى للحفاظ على نفوذها من خلال شبكاتها المحلية والميليشيات الموالية لها، مستغلة الفراغ الأمني والسياسي في بعض المناطق.
في هذا السياق، تعمّقت تعقيدات التنسيق التركي الأمريكي، خصوصاً فيما يتعلق بالملف الكردي. فقد أصبحت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لاعباً محورياً في المناطق الشرقية والشمالية، حيث تسعى إلى تثبيت حكم ذاتي في غياب سلطة مركزية قوية. والولايات المتحدة، التي تعتبر “قسد” شريكاً رئيسياً في محاربة الإرهاب، وجدت نفسها أمام تحديات متزايدة مع حليفها التركي، الذي يرى في وحدات حماية الشعب الكردية تهديداً مباشراً لأمنه القومي، مما أدى إلى تفاقم الخلافات بين الجانبين.
التوترات التركية الكردية تصاعدت بشكل ملحوظ بعد سقوط النظام، حيث تسعى تركيا إلى منع “قسد” من استغلال الفراغ السياسي لتعزيز سيطرتها. ومع استمرار العمليات العسكرية التركية في الشمال، ازدادت المخاوف من اندلاع مواجهات واسعة بين القوات التركية و”قسد”، مما قد يضع الولايات المتحدة في موقف حرج.
من جانبها فان أنقرة، التي استثمرت بقوة في دعم فصائل المعارضة السورية، ترى الآن فرصة لتوسيع نفوذها الإقليمي على حساب القوى الكردية، مستغلة الانهيار السياسي والعسكري في دمشق.
وعلى الرغم من الدعم الذي تتلقاه “قسد” من واشنطن وبعض الدول الأوروبية، بدأت هذه القوات تواجه تراجعاً في الدعم الشعبي داخل بعض المناطق التي تسيطر عليها، بسبب اتهامات بانتهاكات حقوقية وفرض سياسات مثيرة للجدل.
أما بالنسبة للوجود الأمريكي في سوريا، فإنه يواجه تحديات متزايدة بعد سقوط النظام. فرغم أن الولايات المتحدة كانت تأمل أن يؤدي هذا التغيير إلى تهدئة الأوضاع، إلا أن التهديدات من الفصائل المدعومة من إيران، بالإضافة إلى التصعيد التركي ضد “قسد”، أعادت خلط الأوراق. تجد واشنطن نفسها في موقف صعب بين الحفاظ على دعمها لـ”قسد” ومواجهة الضغوط التركية التي ترى في أي دعم للأكراد تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
مع هذه التعقيدات، يبقى مستقبل التنسيق التركي الأمريكي مرهوناً بقدرتهما على تجاوز الخلافات المتعلقة بالملف الكردي. سقوط النظام السوري شكّل فرصة لتركيا لإعادة ترتيب التوازنات الإقليمية لصالحها، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق توازن بين مصالحها الأمنية وحماية حلفائها على الأرض. في المقابل، ستظل إيران لاعباً صعباً يسعى لتعزيز نفوذه في ظل التحولات الجديدة، عبر استغلال هشاشة الوضع السياسي والتوترات بين القوى الإقليمية والدولية، مما يعقّد المشهد أكثر ويجعل الحوار بين الأطراف الإقليمية والدولية ضرورة لتجنب انهيار الاستقرار في سوريا والمنطقة.