القلب الذهبي
فراس الحمداني
كنت صغيرا يومها حين اغتلت خطاي كي أقف أمام مكتبة جدي(رحمه الله) الزاخرة بالكتب والمؤلفات المختلفة.. مددت يدي إلى كتاب مكتوب على غلافه (حين تركنا الجسر) وهو عنوان لإحدى روايات الكاتب الكبير عبد الرحمن منيف (رحمه الله ),
بدأت في قرانتها تارة ومراقبة الممر تارة أخرى كي لا يراني جدي ويعاقبني.. صفحات قليلة وإذا بي أصل إلى جملة (اللهم لاتجعل لي قلبا .... ) في الصفحة العاشرة من الرواية .. حينها لم افهم معنى الجملة وما يرمي إليه كاتبها فيها فانا اعلم أن القلب عين ثالثة .. اجل.. يهمي بصمت دموعا لاترى من بإمكانه أن يرى الشجن ومرارة الصبر وألوان العذاب؟ كل هذا يدور في مملكة القلب السرية حيث الحب والبغضاء الخيانات والرغبات .. القلب ذلك الناقوس الذي يعلن للجسد كل اسود وابيض .
القصة التي سأرويها انطلاقا من كل ذلك حدثت معي فانا شاهد عيان عايشتها منذ أول لحظة .. كان لي صديق له أمنية طالما حلم بتحقيقها .. ورغم أن أمنية صاحبي قد تكون مستحيلة التحقيق ألا انه ظل يتوق لليوم الذي يحققها فيه .. أمنية صديقي أمنية ذهبية فهو يتمنى أن يكون له قلباً ذهبياً , وكم هي غنية هذه الأمنية الصعبة المنال, والتي بتحقيقها ستخل في موازين الاقتصاد وترجح كفة الميزان التي توضع فيه عن ما سواها.. ورغم كل ذلك فلم نبالي لأمنية صاحبي كونها لم تتعدى طور الأمنية , لقد كان صديقي الذي كنت أحبه كما أحب كل أصدقائي يتصرف أحيانا بأنانية بحتة ويحاول أحيانا حتى أن يأخذ لعبة اليتيم الذي يلعب معنا لنفسه لكننا كنا نعتبرها أحدى نزواته غير المقصودة لأننا بالتالي كنا دائماً نعود لألفتنا المعهودة .. مرت السنين وكبر صديقي وكبرت معه امنيته , وكبر معها طموحه في تحقيقها فقرر تركنا ليشق طرق مختلفة يلتمس فيها تحقيق أمنيته.. وسرنا نحن كل في ماقدر الله له. وفي احد الأيام وأذا بي أمام مكتب ضخم توقفت أمامه سيارة فارهة ترجل منها شخص أكاد اعرفه !! ولا اعرفه ! فالملامح هي نفسها ملامح صديقي ولكن الحال قد تغير المهم لقد فرحت كثيرا لصديقي درجة أني لم اصدق مارأته عيناي مما ترك للشكوك طريقا في داخلي مفادها هل هذا هو صديقي حقاً أم انه ليس هو.. ومن جديد اغتلت خطاي ولكن هذه المرة ليس إلى مكتبة جدي ولكن نحو صديقي لأسلم علية واطمئن على أحواله وأثناء ذلك صارت عيني تماما بعينيه فغض الطرف عني مباشر إلى الجهة الأخرى من الشارع ليرتمي عليه احد الفقراء المساكين طالبا المعونة .. فركلة صديقي بقوى (اذهب لقد وسخت البدلة) فسقط الفقير على الارض ومشى صديقي حتى داس دون ان يدري (او ربما يدري ) بحذائه اللماع اطرافه .. واستمر دون ان يلتفت متوجهاً نحو مكتبه الضخم وعدت أنا أدراجي ولسان حالي يقول لصاحبي هنيئاً لك وألف ألف مبارك ! ..لقد تحققت لك أمنية حياتك وصار قلبك قلب من معدن الذهب .. لاينبض ولا يعرف للإنسانية طريق .. يتحرك بميكانيكية منتظمة !! لا تعرف الشعور او الاحساس ..