السياسة العسكرية في إطار منظومة الأمن القومي
عماد علو
المقدمة
تعتبر السياسة العسكرية (Military Policy) واحدة من المفاهيم التي قلما تناولها الباحثون في دراساتهم وبحوثهم لأسباب عديدة تتعلق بتباين مصطلحات الإشارة الى نطاقها أو الغرض منها من دولة الى أخرى، فهي (سياسة الدفاع Defence Policy) في بعض الدول الغربية، أو ( سياسة الأمن القومي National Security Policy) في دول أخرى، لهذا السبب أدى تباين واختلاف المصطلحات السياسية - "الدفاع" أو "الأمن القومي" – الى جعل البحث في مفهوم (السياسة العسكرية) أمرا" صعبا" على الباحثين وطلاب العلوم السياسية والعسكرية، لان نطاق (سياسة الدفاع وسياسة الأمن القومي) أوسع بكثير من نطاق السياسة العسكرية من حيث احتوائها على فعاليات أوسع مثل، الدبلوماسية والتعبئة الاقتصادية والحرب الاقتصادية والمساعدات الاقتصادية الخارجية والحرب السياسية والاستخبارات والدعاية - كلها موجهة نحو أهداف الأمن القومي ، لكنها ليست سياسة عسكرية. في حين تتكون السياسة العسكرية من أنشطة الحكومة التي تهتم بشكل أساسي بقواتها المسلحة. وهكذا يتم تحديد السياسة العسكرية من حيث نطاقها وليس من حيث الغرض منها.
ومن الجدير بالذكر أن المادة التاسعة من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 أخضعت القوات المسلحة لقيادة السلطة المدنية (Civil Authority) دون توضيح أسس تنظيم وشكل وصلاحيات هذه القيادة المدنية للمؤسسات العسكرية والامنية، كما لم توضح المادة التاسعة مفهوما" محددا" لـ(القوات المسلحة العراقية) وماذا يشمل هذا المصطلح، وبالتالي لم توضح طبيعة السياسة العسكرية التي ينبغي أن تمارسها السلطة المدنية في اطار تعاطيها وتعاملها مع المؤسسة العسكرية والأمنية. وهنا لابد من الإشارة الى أن رجل الدولة (السياسي) لايزال يفتقر للمعارف المتعلقة باستخدام القوات المسلحة في زمن السلم وفي زمن الحرب على الرغم من أن اتخاذ قرار الحرب في أي دولة كانت هي من أخطر مسؤوليات السياسيين ورجال الدولة لاسيما في وقت زاد التطور التكنولوجي السريع من تعقيدات الحرب الحديثة. وبما أن الحرب وظيفة سياسية فلابد لرجل الدولة أن يكون على بينة من أساليب وطرق التعاطي مع المؤسسات الأمنية والعسكرية في اطار السياسة العامة للدولة، وهو ما سنحاول التطرق اليه في هذه المقالة المركزة عن مفهوم وعناصر وصنع السياسة العسكرية...
توضيح المفهوم
والسياسة العسكرية لا تعني بالتأكيد (النزعة العسكرية Militarism) التي تعبر عن عقيدة حكومة ما الاحتفاظ بقدرات عسكرية قوية، واستخدامها لحقيق أهدافها أو مصالحها القومية، وهذه النزعة العسكرية تتمظهر بتفوق مجتمع العسكر أو الجيش في قيادة الدولة أو في هيمنته وتوجيهه لسياسة الدولة، في حين تعتبر السياسة العسكرية (وتسمى أحيانا" سياسة الدفاع) هي سياسة عامة تتعامل مع الأمن بمختلف مسمياته والجيش، وهي جزء من مفهوم أوسع لسياسة الأمن القومي أو استراتيجية الأمن القومي التي تنبثق من الاستراتيجية الكبرى للدولة (Grand Strategy) والسياسة العسكرية تربط النظرية (سياسة الأمن القومي) بالعمل (التخطيط الدفاعي والإدارة والتنفيذ).وتغطي، كل شيء من الغايات إلى طرق ووسائل تحقيق أهداف الامن القومي وتسترشد بالقواعد والمبادئ المضمنة في سياسة الأمن القومي National Security Policy.
عناصر السياسة العسكرية
تحدد السياسة العسكرية كيف ستتم الأمور في قطاع المؤسسات العسكرية (قطاع الدفاع). لذلك من الضروري أن يتم التفكير فيها بتفصيل كبير وأن تؤدي وظيفتها في ربط النظرية بالممارسة. يجب أن تأخذ السياسة العسكرية في الاعتبار خصوصيات الواقع المحلي والإقليمي والدولي؛ وأن تضع أهداف واقعية قابلة للتحقيق وتسعى جاهدة نحو تحقيق أهداف الأمن القومي الشاملة؛ مع إيلاء اهتمام خاص لمراحل التخطيط والإدارة، في سياق ترتبط فيه الوسائل بالغايات. السياسة العسكرية هي سياسة عامة. ومن الناحية التحليلية فانه من الضروري ملاحظة أن تكون عناصر السياسة الداخلية والسياسة الخارجية والسياسة العسكرية متطابقة في الممارسة الفعلية، من قبل المؤسسات ذات العلاقة، حيث أن أغراض وأهداف السياسات قد تتغير وتتعارض نتيجة تغييرات كبيرة في البيئات المحلية أو الدولية للدولة. واستنادا" الى نطاق السياسة العسكرية في مساريه الاستراتيجي والتنظيمي فان عناصر السياسة العسكرية كما يلي:أ.البرامج والقوى: تتعامل البرامج الإستراتيجية مع الحجم الكلي، والأسلحة، وتركيب القوات العسكرية. عادة ما تتعلق القضايا الرئيسية "بالمزيج" أو القوة النسبية وأهمية أنواع مختلفة من القوات: البرية والبحرية والقوات الجوية. القوات الهجومية والدفاعية؛ القوات النشطة والاحتياطية.
ب.استخدامات القوات المسلحة: واحدة من أهم عناصر الاستراتيجية العسكرية هو وضع الفرضيات لأساليب أو كيفية استخدام القوات المسلحة لمواجهة التهديدات او التحديات العسكرية الخارجية بما يؤمن أهداف السياسة الخارجية للدولة.
ت.الموارد البشرية: في هذا الاطار فان السياسة العسكرية قد تذهب في مسارين في توظيف الموارد البشرية للبلد وهما أتجنيد الالزامي أو التطوع للعمل في القوات المسلحة وقد تأخذ في بعض الأحيان كلا المسارين معا"
ث.التسليح والتجهيز: تتعلق سياسات التسليح والتجهيز بأساليب حصول القوات والصنوف والخدمات العسكرية على الأسلحة والتجهيزات والمعدات والمنشآت وتشمل (مختلف أنواع الأسلحة، الاعتدة، القيافات العسكرية، الأثاث، المواد الاحتياطية، المعدات والأجهزة الخدمية..)، وتحدد سياسات التسليح والتجهيز مدى حاجة القوات المسلحة الى منتجات الصناعات الحربية المحلية والى مدى حاجتها لمنتجات الشركات العالمية. وترتبط ارتباطا وثيقا بالتسليح والتجهيز أيضا" سياسات البحث والتطوير لأسلحة ومعدات عسكرية جديدة، لتلبية حاجة القوات المسلحة. أ.الهيكل التنظيمي: يعتبر تصميم وشكل تنظيم القيادة والسيطرة ضمن الهيكل التنظيمي لقطاعي الامن والدفاع عنصر أساسي في نجاح تنفيذ السياسة العسكرية.
ب.الموازنة المالية: إن ضمان إنفاق الميزانيات المالية بطريقة فعالة ومسؤولة أمر بالغ الأهمية. تمثل صياغة السياسة العسكرية، فرصة مثالية لإدخال إصلاحات على قطاع الأمن القومي وتدابير بناء النزاهة.
صنع السياسة العسكرية
تختلف عملية صنع أو انشاء السياسة العسكرية من بلد الى آخر، وتلعب السلطة التنفيذية في جميع البلدان تقريبًا دورًا حاسمًا في صياغة السياسة العسكرية، وفي الديمقراطيات البرلمانية، عادة ما يكون للسلطة التشريعية سيطرة أقل بكثير على السياسة العسكرية وهي تضطلع اساساً بتشريع اللوائح والانظمة والقوانين، ووضع القواعد العامة التي تنظم مختلف اوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتبقى السلطة القضائية في موقع الرقابة على التصرفات التي تقوم بها الاجهزة الحكومية في رسم السياسة العسكرية او تنفيذها، بما يتفق مع الدستور والقوانين النافذة. الا أن هيمنة السلطة التنفيذية في رسم وانشاء السياسة العسكرية ينبثق بشكل خاص من دورها في وضع الاستراتيجية العسكرية، ووضع الهيكل التنظيمي للمؤسسات الأمنية والعسكرية بما يوائم والمسار الاستراتيجي للدولة لتنفيذ وممارسة السياسة العسكرية. فالسلطة التنفيذية تحتكر الاستخدام القانوني للقوة العسكرية لتحقيق أهداف سياسة الدولة، اعتمادًا على مكانتها ودورها في نظام العلاقات السياسية للدولة، لذلك دائما" ما يسمى رأس السلطة التنفيذية بالقائد العام للقوات المسلحة. ومن الجدير بالذكر فان وجود وتكون قوى سياسية ومؤسسات اجتماعية مختلفة، مثل هيئات الحكم المحلي (مجالس المحافظات)، الأحزاب السياسية، والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، كلها مجالات وموارد تؤثر بشكل أو بآخر في صياغة ووضع وممارسة السياسة العسكرية..
{ اللواء الركن المتقاعد مدير مركز الاعتماد للدراسات الأمنية والاستراتيجية