الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الجامعة المنتجة.. رؤية معاصرة في مفهوم التنمية المستدامة

بواسطة azzaman

الجامعة المنتجة.. رؤية معاصرة في مفهوم التنمية المستدامة

 حسين الزيادي

 

تتسارع إيقاعات عالم اليوم ومتغيراته، ولمواكبة تلك الإيقاعات، ينبغي علينا أن نمتلك القدرة على الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة القائمة على الإنتاج والأبداع والاكتفاء الذاتي، والتعليم هو الركيزة الأساسية للتنمية الشاملة بشكل عام، والتنمية البشرية بشكل خاص لأنه معني ببناء الانسان، لذا أصبح التعليم الجامعي في ضوء اقتصاد المعرفة بحاجة إلى فلسفة وطرق متماشية مع العصر المعرفي القائم على التنافسية في الإنتاج وتنويع مصادر الدخل والاكتفاء الذاتي وتوفير موارد مالية من خلال الإنتاج المعرفي، وفي عالم اليوم أصبحت الجامعة المنتجة مطلب أساسي للتخطيط السليم وقطف ثمار التنمية، لذا فان اقتصار نشاط الجامعة على الجانب التعليمي والبحث الاكاديمي خلق فجوة كبيرة بين رسالتها في خدمة المجتمع وطاقاتها المعرفية غير المستثمرة، الأمر الذي عطل جانباً مهماً من مواردها الاقتصادية المتاحة في تحقيق مصادر تمويلية اضافية تسهم في تحقيق عوائد مالية مجزية ومن جهة اخرى عرقل تطوير وتنمية المشاريع الاقتصادية الخاصة بها، فالجامعات المنتجة أصبحت اليوم مؤسسات إنتاجية تقدم العطاء والمعرفة في آن واحد فهي تستثمر المعرفة وتسوقها اقتصادياً، بينما بقيت الجامعات الكلاسيكية مؤسسات لمنح الشهادات وتخريج أعداد هائلة من الطلبة، وهي مؤسسات تكاد تكون منغلقة على نفسها تمثل عبئاً إضافياً على الميزانية العامة لدولها، وبقيّ الهدف الاساس لهذه الجامعات هو التدريس والاهتمام بالجانب الأكاديمي على حساب الجانب التطبيقي، وبهذا تحولت الجامعات في بعض البلدان النامية الى حلقة يدخلها الطالب بعد المرحلة الثانوية ليتخرج ويكون بعدها مؤهلاً لدخول سوق العمل.

ويمكن تعريف الجامعة المنتجة بأنها الجامعة المتفاعلة مع المجتمع من خلال نشاطات جديدة مضافة الى نشاطاتها التقليدية، وتحقق من خلال هذه النشاطات موارد مالية إضافية تعزز من موازنتها وتعطيها المرونة الكافية لتطوير خدماتها التعليمية وتحقيق فلسفتها التعليمية، بمعنى آخر ان الجامعة المنتجة تتكامل فيها الوظائف لتحقيق الموارد المالية الإضافية مما يجعل التعليم فيها ممول ذاتياً، ويعد نموذج الجامعة المنتجة نموذجاً مرناً يحقق التوازن بين وظائف الجامعة المتعلقة بالبحث والتدريس وخدمة المجتمع، على اعتبار أن الجامعة جزء لا يتجزأ من آليات السوق ومؤسسة الانتاج وتسويق المعارف والبرامج والأبحاث المرتبطة بالسوق وعقد صفقات الشراكة مع مؤسسات المجتمع الأخرى ومعالجة مشاكله الاقتصادية.

لكن يجب ان لا يفهم من الدعوة الى تبني مفهوم الجامعة المنتجة هو تحويل الجامعة الى مؤسسة تجارية ربحية، فالجامعة تبقى محتفظة برسالتها الاساسية في التعليم والبحث العلمي وبناء الانسان، وان الاعمال التجارية التي تمارسها الجامعات ما هي الا تدعيم لرسالتها الانسانية العلمية، فالدخول في سوق العمل لا يهدف الى تحقيق الربح المادي في حد ذاته، وهناك من يرى بان الجامعة المنتجة هي التي تحقق وظائف التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع بشكل متكامل مع تعزيز موازنتها من خلال الموارد الاضافية كالاستشارات والبحوث التعاقدية والانشطة الانتاجية التي لا تتعارض ومفهوم الجامعة بشكل عام مما يقلل اعتمادها على ايراداتها الاساسية، وبناءً على ما تقدم فان مفهوم الجامعة المنتجة نموذج مرن يحقق التوازن بين مهام الجامعة وهي التعليم والبحث وخدمة المجتمع.

لقد حظيّ مفهوم الجامعة المنتجة والشراكة المجتمعية باهتمام عالمي متزايد ، فقد اكد مؤتمر باريس حول التعليم العالي عام 1995 على ان اسهامات قطاع التعليم في التنمية لن يتحقق دون الاندماج بين مؤسسات التعليم ومؤسسات العمل والانتاج،   فالجامعة المنتجة هي التي توفر المعرفة العلمية من خلال برامج تعليمية تنسجم وحاجات السوق بشكل متطور  وحديث وتستثمر طاقاتها المعرفية بما يتلائم واقتصاد المعرفة من خلال نتاجاتها العلمية والتطبيقية والاستشارات و الدراسات والتدريب وعقد شراكات وتحالفات، ومن هنا فأن فكرة الجامعة المنتجة هي فكرة لتسويق المعرفة بهدف توفير موارد اضافية للجامعة لمواجهة متطلبات التطوير والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ويمكن تحقيق مفهوم الجامعة المنتجة من خلال:-

1- تسويق الخدمات والاستشارات والمنتجات الابتكارية.

2- الدخول في الشراكات العلمية والاستشارية مع القطاعات المختلفة.

3- تنمية البحث العلمي التطبيقي والاهتمام النوعي بالمخرجات الطلابية، والإسهام بالخدمات المقدمة للمجتمع.

اعتماد انظمة

4- فتح نافذة على المجتمع للوقوف على قضايا الانتاج ومشاكله.

5- اعتماد انظمة وقوانين مرنة تسمح بحركة الكليات والجامعات ويجعلها قادرة على أجراء التغيير والتكيف لما يتطلبه سوق العمل في مجتمعها المحلي.

6- التوجه نحو تعميق وترسيخ استقلالية الجامعات وإذابة الفوارق بين وظائف الجامعة (التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع) والنظر إليها على أنها منظومة متكاملة تؤثر وتتأثر ببعضها حتى يمكن الانفتاح على المجتمع

7- التوسع في المشاريع الخاصة بالجامعة والتي تحقق خدمة عامة للمجتمعات المحلية مقابل دعم مالي تستفاد منه الجامعة لتحقيق نشاطاتها وترجمة فلسفتها.

8- دعم التفكير الابداعي والابتكاري والتخلي عن الحلول التقليدية في التعليم العالي.

9- لكي تتحول الجامعة الخاصة الى جامعه منتجة لابد ان تكون قادره على خلق وتصميم وانتاج وتسويق منتجات معرفيه متفوقه وان تعمل ليس على وفق مبادئ النظرية الاقتصادية التي تنص على ان الاعمال تتوجه في اهدافها وفق مبدأ (الطلب يسبق العرض) وان مؤسسات الاعمال تقدم منتجاتها حسب حاجات السوق.

10- القيام بتسويق الأنشطة الإنتاجية والابتكارات والبحوث العلمية؛ لتطبيقها في الواقع وبذلك يتمكن المجتمع من ايجاد المنتج المحلي بدل المنتج الأجنبي.وهناك اليات كثيرة تستطيع الجامعة من خلالها زيادة مواردها المالية كالدورات التدريبية، الشراكة مع القطاع الخاص، والتعليم الممول ذاتيًّا،و التعليم المستمر، والاستشارات،و البحوث التعاقدية، والأنشطة الإنتاجية وكذلك تقديــــــــــــــم خدمات الطباعة والنشر وحقوق التأليف والرسوم والخدمات الصحية وانتاج المحاصيل الزراعية  وغيرها.

وختاما، نستطيع القول أن الانتقال والتحول من جامعات غير منتجة إلى جامعات منتجة يتطلب تكاتف الجهود وزيادة درجة التنسيق والتعاون مع كافة مؤسساتنا العلمية والتعليمية للمباشرة بإعداد وصياغة استراتيجيات حديثة ومبتكرة لتقليص الهوة الإنتاجية واللحاق بركب الجامعات المنتجة والمتميزة، كما ان تحقيق هذا الهدف يتطلب كسب ثقة المجتمع الذي بات ينظر الى الجامعة بوصفها مؤسسة منعزلة تعيش في قصرها العاجي دون الاكتراث بمشاكل المجتمع وتطلعاته، فانعزال الجامعة في ظل تعقيدات الحياة والاندماج المعرفي الذي اصبح سمة العصر بات امراً يهدد بقائها.


مشاهدات 873
أضيف 2022/10/26 - 4:22 PM
آخر تحديث 2024/11/23 - 4:00 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 87 الشهر 9558 الكلي 10052702
الوقت الآن
السبت 2024/11/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير