خزعبلات التغيير في العراق
فاتح عبدالسلام
هناك (خزعبلات) تتحرك بسرعة وتغطي الأجواء العامة في العراق، تغذيها تصريحات سياسيين موسميين في الخارج من جهة، وتصرفات أخرين لسان حالهم ينطق بـ (يكاد المريب يقول خذوني) في الداخل من جهة أخرى، توسعت التكهنات (التنجيمية) احياناً وانتشرت مع سقوط نظام القتل والاجرام والمخدرات والفساد في سوريا. من تلك الخزعبلات ان الولايات المتحدة سوف تغيّر النظام السياسي بالبلد، استنادا الى تورط مليشيات معينة اكتسبت أغطية حكومية ودينية في ضرب إسرائيل وتهديد أمن الشرق الأوسط. ووصل الامر الى ترويج شائعات حول نزول فرق عسكرية أمريكية لتنفيذ التغيير المزعوم. كل ذلك تحت هواجس ان تتلقى الأطراف التي دعمت حزب الله وايران ضربات إسرائيلية في أي وقت، وهذا احتمال قائم، لكن ليست له علاقة ببند تغيير النظام السياسي.
التذمر من الفساد بات في فترة قصيرة أكثر من الاستياء من تصرفات أو نفوذ أطراف مسلحة غير رسمية، بالرغم من تلاقي (المتذمرين) في نقطة واحدة غالباً. ولعل ذلك الذي دفع بكثير من العراقيين تحت ضغط من أمنياتهم وهواجس قهرهم للتفكير بأنّ هناك نظاماً انقاذياً في الطريق سيوفر لهم الحياة الكريمة ويقضي على الفاسدين.
هناك حالة عارمة من النسيان، بشأن أوليات تأسيس النظام السياسي بالعراق، وكيف قام كل شيء من لا شيء مع قرارات الحاكم المدني الأمريكي للعراق بريمر، ومن ثمّ انطلقت عملية سياسية هي جوهر النظام السياسي وهويته وروح دستوره حتى اللحظة. فالتأسيس كان برؤية أمريكية، ولا توجد حتى اللحظة اية علامات رسمية أمريكية لتغيير الوضع العراقي مع كل الاستياء من عدم الانسجام في المضامين والتوقيتات مع جوهر التغيير الذي كان ينشده الامريكان في العام 2003. لا تنسوا أنّ التغيير لم يكن صينياً، أو روسياً، أو إيرانياً، أو تركياً، لكي تأتي واشنطن اليوم لتنسف ما جرى بناؤه بهذه السهولة.
هذا الكلام لا يمنح أي وضع سياسي قائم في العراق صك البقاء للأبد، الا في حال المراجعة الحقيقية لبنية النظام وتطهيره من المفاسد العظيمة، ونزع صفة الفاسد المقترنة باسم أي شخص يحمل صفة سياسي، حتى لو كان بالصدفة نزيها.
التغيير السياسي في العراق، ليس قراراً أمريكياً أو اسرائيلياً، وانّما هو أمر متعلق بجينات الانسان العراقي ومسار حركته في التاريخ ومن دون مقدمات طويلة، ومَن لا يقرأ التاريخ وهؤلاء أغلبية القائمين على النظام في العراق، سيجدون أنفسهم في ليلة وضحاها أمام خيارات ما تمنوها يوما، وهذا قدر تاريخي وجودي في بلاد الرافدين، قبل أن تنوجد أمريكا وإسرائيل.