حكايتي مع فيروز
قاسم حسين صالح
كنت افتح الراديو صباحا ولحظة اسمع صوت فيروز..احرك المؤشر على محطة اخرى. ما كنت اطيق سماع صوتها..كنت اصفها بمفراداتنا الشعبية (تتنعوص.. صوتها بالعته حيه..) . وكان السبب أن آذاننا ،نحن جيل الستينات والسبعينات..اعتادت على سماع الأصوات العالية وتدوزنت على صوت داخل حسن .. لميعة توفيق .. وصولا الى صوت ياس خضر. اصوات عالية فيها بحه ..فيها شجن وحزن .
وكنت مثل باقي العراقيين..نتباهى بالحزن على طريقة تلك التي راحت تشكو ضيمها لصديقتها:
ما تدري بيّ الناس العلة خفيه
بالكلب سبع ازروف ويلاه يخيه
وبدلا من ان تداريها نفسيا..اجابتها:
خيعونك بديناك بس سبعه ازروف
الكلب منخل صار بيه العمى يشوف!
وصباح ذات يوم كانت الى جانبي في سيارتي فتاة جامعية جميلة مثقفة. مدت يدها الى الراديو ..فتحته..فكانت فيروز .وبعفوية قلت : هم فيروز!
التفتت نحوي وفتحت عينيها الواسعتين: شنو..ما تحبها؟
- ولا اطيقها
- ما معقولة ..تدري الما يحب فيروز هذا...
ولم تكمل
- طيب اسمعها على مودي..وخليك من مودك
وسمعتها على مودها.
كنت استمع لفيروز وعيناي تحدقان بانفعالات ذلك الوجه الجميل.
في صباح اليوم التالي ..تقصدت ان استمع لفيروز..وفي اسبوع ..اكتشفت ان ذوقي في الغناء كان تقليديا ، وان صوتا وكلمات جديدة تثير انفعالات جديدة ستنقلني الى ذائقة جديدة. وان اغانيها امتازت بقصر مدتها الزمنية وقوة محتواها وجمال معانيها وتنوعها بين الحب والحزن والفرح والوطن والأمهات والأطفال في عصر كان يعد العصر الذهبي للموسيقى الرائعة .وصارت تلك التي كنت اصفها (تتنعوص) ..ايقونتي التي انصت لها بمشاعري حين اسمعها بعكس سماعي لأم كلثوم الذي كان لا يحلو ولا يطيب الاستماع لها ما لم تكن المائدة امامي قد امتلأت بما لذّ وطاب.
أنا علي يقين ان كثيرين من أبناء جيلي كانت حكايتهم مع فيروز كحكايتي!
العمر المديد لك سيدتي نهاد رزق وديع حداد، وشكرا للذي اسماك (فيروز) تشبيها لك بالحجر الكريم..ويارب تجتازين المئة وتصيرين اكبر معمّرة لبنانية!