كلام أبيض
مي آرو
جليل وادي
منذ سنوات ، تسمعونه مثلي صباحا ومساء وربما ليلا أيضا ، متجولا بين الأحياء ، مناديا على بضاعة لم تكن معروفة في حياتنا السابقة : ( مي آرو ) ، وبسماع هذه العبارة أتساءل مع نفسي : كم هي مبالغ المياه المصنعة التي نستهلكها ، وحجم الأضرار البيئية التي تخلفها العلب البلاستيكية ، بخاصة وانها من المواد صعبة التحلل في التربة ، لذلك شغل موضوع المخلفات البلاستيكية اهتمام المراكز البحثية لإيجاد الطرق التي تسّرع تحللها ، وأسأل أيضا عن عدد أجهزة الفلاتر التي نستوردها لتنقية المياه لكي يصلح للشرب والطبخ وما يقابلها من أموال ، وكمية المياه المهدورة بسبب هذه الفلاتر ؟، وهي كما تعرفون أضعاف كمية المياه النقية ، فضلا عن قطع الغيار التي تحتاجها هذه الأجهزة لتصليح عطلاتها ، وهي من المستوردات أيضا ، ثمة أشياء تصنف على النواعم ، لكنها تستنزف أموالا طائلة من ميزانية الدولة ، ومن الدخل المالي للأسرة ، فهل فكرنا بالتكاليف المترتبة على ذلك ؟.
صرنا نتحسر على دول لم تكن يوما تقارن ببلادنا ، يشرب مواطنوها من ماء الإسالة ، وثقتهم مطلقة بأنه ماء صالح للشرب ، وازاء ذلك كل منا يرمي بالمسؤولية على الطرف الآخر ، المواطنون يلومون دوائر الماء وبدورها تلقي باللائمة على المواطنين الذين لا يفكرون سوى بمصالحهم الشخصية ويخربون الأنابيب الرئيسة بسحبهم العشوائي للماء ، وهذا ما يحدث واقعا ، ولكن ماذا يفعل مواطن لا يصل الماء الى مسكنه بيسر وسهولة وقوة ، وكيف لا يفعل ذلك من لا يخشى عقوبة الجهات الرقابية ، تذكرون جيدا ، ما كان بمقدور أحد سحب الماء الى داره دون اجازة من دوائر الماء التي تقوم ملاكاتها بعملية السحب وليس المواطن ، وكان المُستهلك منها محسوبا عبر أجهزة قياس لقاء مبالغ مالية ، ما يوفر أموالا لخزينة الدولة يمكن من خلالها صيانة المشاريع وتحديثها .
يبدو لي ان دوائر الماء فقدت السيطرة ، ولم تعد بقادرة على مواجهة تحدي التخريب وايصال مياه نقية للمواطنين ، وربما تستغرق عقودا لإعادة ثقة المواطن بمنتوجها بحيث يستطيع الشرب من أي حنفية موجودة في الشارع دون تردد ، كما يحصل لدى دول الجوار ولا أقول الدول المتقدمة . وازاء يأس المواطنين من الحصول على مياه نقية ، صاروا يطالبون بإيصالها كيف كان حالها ، فمعاناتهم قاسية جدا في المدن والقرى على حد سواء ، وشكاواهم تتردد على وسائل الاعلام بكثرة .
ليس بالدعوات والمناشدات نجعل المواطن يرشد استهلاكه من الماء ، هذه لوحدها لا تكفي على الاطلاق ، بل لابد من اجراءات صارمة وحاسمة لجعله يلتزم بجميع ما تراه دوائر الماء مناسبا لتنظيم العملية والحصول على جودة عالية بمنتوجها ويحافظ على بناها التحتية ، بالمقابل يجب أن يكون عملها مخلصا وبعيدا عن الأمزجة والذرائع .
أدرك تماما ان أسباب الخلل لا تقتصر على دوائر الماء والمواطنين فحسب ، بل تمتد لجهات أخرى كالموارد المائية والكهرباء والبلديات وغيرها، ربما يسألني أحدكم : كيف ذلك ؟، والاجابة : استمعت قبل أشهر لوزير الموارد المائية وهو يلوم المواطنين على هدر الماء لقيامهم برش الشوارع والأزقة ، بالتأكيد هذا هدر ، لكن كيف يتخلص المواطن من الأتربة التي تخلفها شوارع غير معبدة ، وكيف تتصرف دائرة الماء مع انقطاعات متواصلة للكهرباء ، وتذبذب تزويدها بوقود تشغيل مولداتها ، وماذا يفعل المواطن عندما تقطّع آليات مشاريع المجاري أنابيب مياه مسكنه ، وتترك اصلاحها على عاتقه ، ليظل أياما عدة بلا ماء ، وعندما تتحكم الأمزجة بفواتير الماء ، وجميعها تخمينية وليس وفقا لمقياس لتتباين بين هذا المسكن وذاك بحسب مستوى تعاطف الجباة ، لذلك يُراد تأسيس جديد وتنظيم محكم لهذه المنظومة الهشة .
أقول : ان الدول التي تريد لنفسها الارتقاء عليها الانطلاق من الصناعات البسيطة ، وليس المعقدة ، كيف نحقق اكتفاء ذاتيا من سلع نأسف لاستيرادها لكون بلادنا مؤهلة لإنتاجها ، لقد قهرتني علبة الجبن الألماني التي وجدتها أمامي أثناء تناول فطوري .
jwhj1963@yahoo.com