أبجدية على رصيف القدس
مريم الشكيلية
السماء ملبدة بالغيوم الرمادية ،والرياح تنقر شيء فشيء على النوافذ لعلها سوف تمطر اليوم ... لم تصدق إنني منذ وصولي قبل يومين إلى القدس إحتضنتني رائحة المدينة كلها وكأنها كانت في إنتظاري ....
اشجار الزيتون
أشعر منذ أن وضعت قدماي على أرضها بأن رائحة أشجار الزيتون ممزوجة بالأبنية والشوارع والأرصفة الحجرية تريد أن تسرد لي حديثاً طويلاً ... هل تتصور كيف إنني أحاول أن آتي بالقدس إليك من خلال الأسطر التي أزحمها بالتفاصيل الصغيرة إلا انني أعجز عن الكتابة وكأن اللغة كلها علقت في حنجرة القلم ....
أتعلم أن القدس ليست كما تخيلتها أو قرأت عنها حتى.. هي مختلفة حين تتجول فيها وكأنها تأخذك إلى أعماقها ومداخلها الضيقة والواسعة وباحاتها والتي هي الأخرى لا تتسع لها الأحرف للكتابة عنها ......
لأول مرة أشعر بأن هناك مدن لا تحتاج إلى من يحدثك عنها هي تحدثك عن نفسها بلا كلمات وكأنك تشعر بأنها تهمس لك بالأحاديث والأسرار....
هنا شروق الشمس مختلفاً يبدو ضوءها أكثر إصفرارا وكأن الذهب يتساقط عليها كالمرآيا عندما يلامس قبة الصخرة...
يالهيبة المسجد الأقصى عندما تشرع للصلاة فيه كأنك تصعد إلى السماوات العليا كأنك تطير بلا أجنحة وتغتسل روحك بسيل منهمر من الطمأنينة....يا للدهشة بعفوية شعور تجد نفسك تضع راحة يديك على الجدران المقدسة وكأنك تضع يدك على قلب جريح لتضميده ...
أسير الآن في هذا الصباح الصيفي من حزيران في البلدة القديمة وسوقها... لا تتخيل رائحة المخبوزات التي تنبعث من الأفران الصباحية مع أصوات الأدعية التي تخرج من أفواه المارة....تذوقت الكعك الساخن والحلويات المقدسية الذي يغمرك طعمها بذاكرة طعام ومكان .
هل تستمع معي إلى تلك الأصوات الممزوجة من كل شيء...؟! سوف أترك الأحرف تصلك تباعاً..سأقطع حبل السطر في هذه اللحظة