عبدُكَ يرنو إليك
نجمان ياسين
أينما يممتُ وجهي
نهضَ مأتمٌ في دمي، وطاردتني جنازة!
وأنّى نظرت عيناي
أمسكتُ الرمادَ والكآبة!
أهيَ مراتعُ طفولتي، هذه الخرائب؟
ومَنْ قوّض بنيان روحي
وهدم ملاذات صباي؟
إلهي
عبدك الفقير، ملقىً في سعير هذا الزلزال المريع
أضاع وجهه، وافتقد الدرب .
غنيٌ انا بنكبتي
أسري في مواجع مدينتي الذبيحة
وأتضرعُ أن تبقي جذوة الأمل في فؤادي
كي اسطيعَ أن أُلملمَ شظايا قلبي من فك بحر
الطوفان الذي اجتاحني!
كلي ابتهال يا مُنشئ هذا العبد الطعين
لأمرقَ بما تمزق منه
واجعله يجثو عند عتباتك الرحيبة
فبنورك وحده، له أن يُبعثَ مرتفع النفس
وأن يرمم ما دهمه وأصابَ كُلّهُ بالتصدع
وأن يغادر لظى البركان!
أُدرِكَ أن أنوارك، من يلهمني الرُشد
وتُطلقُ الينابيع فيّ
وتُريني أنّ رأفتك، هي القنديل!
إلهي، عَبدُكَ، مُجرّح، ينزف
ويلوذُ بأسمائك الحُسنى
وليس لهُ إلّا أن يردد بخشوع :
سعيدٌ أنا بما قدّرتَ
وكلي رضى بما شئت!
تساؤلات
حجرٌ يدقُّ القَلبَ في هذا الليل السقيم؟
أم جمرٌ يتدفقُ في جذوري المنتهكة؟
نارٌ اندلعت في عقلي المأسور
أم نورٌ انهمر في عروق شجرة الروح؟
كيف لقلبي المطحون تحت مطرقة الأوقات
أن يغادر هذا القفص
ويكسر سجن الأرواح القاسية التي أطبقت عليه؟
إلهي
كيف الخلاص، من مخالب وأنياب كائنات الغاب
ومِنْ أينَ لروحي، أن تلوذَ بغير روحي
كي تُحلِّقَ في سموات نأت عني
وأرض أحرقتني؟
- 2 -
هل لي، أن أقف بين يدي كل هذه النعم التي
حبتني بها السماء
من دون أن ألهج بآيات العرفان؟
وأنّى لي، أن أحصي ألطاف ربي
من دون أن أشهق بفرح إلهي؟
كيفَ احملُ هذه الكنوز على ظهري
من دون أن أبصرها؟
غزيرةٌ هباتُكَ
وكثيرة عطاياك يا مَنْ أبدعتَ روحي
فلمَ لا أُهشمُ عنقَ هذا الغول الممسك بتلابيب
أعماقي؟
أيّ نهر كلمات وهبتني
وأيّ بصر حديد أهديتني؟
وأيّ ذاكرة حبوتني، لتُشعرني بأنّ الطفل فيّ
لا يشيخ؟
إلهي، مُذ فاضَ حُبُكَ في قلبي
وأودعتَ رهافةَ الفراشة فيّ
صَرَخت روحي: لم القلقُ وفيّ منك
كُلُّ هذه الأنوار والكنوز الفاتنة؟
إليك..
