بعد إختيار الجمهوريين رئيساً معتدلاً لمجلس الشيوخ
كيف ستؤثّر خلافات ترامب وثون على عملهما المشترك
محمد علي الحيدري
تُعد العلاقة بين جون ثون، الزعيم الجديد لمجلس الشيوخ، والرئيس السابق دونالد ترامب، من أبرز العلاقات السياسية المعقدة داخل الحزب الجمهوري. فبينما يُعتبر كلاهما من أبرز قادة الحزب، فقد شهدت علاقتهما العديد من التوترات والخلافات حول قضايا أساسية، لا سيما فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية لعام 2020، واتجاه الحزب الجمهوري نحو المستقبل، وأسلوب القيادة داخل الحزب.
وللذين لا يعرفونه جيدا فإن جون ثون هو عضو مخضرم في مجلس الشيوخ عن ولاية ساوث داكوتا، وقد انتُخب لأول مرة في المجلس عام 2004 بعد أن أطاح بالسيناتور الديمقراطي توم داشل. ومنذ ذلك الحين، ترسخت مكانته كأحد أبرز المحافظين المعتدلين في الحزب الجمهوري، وتميز بمواقفه الداعمة للسياسات المالية المحافظة، وتعزيز الدفاع الوطني، والتجارة الحرة. ويُعد ثون من الشخصيات المؤثرة في الحزب، وسيمنحه منصبه الجديد كزعيم لمجلس الشيوخ، دورًا محوريًا في صياغة سياسات الحزب وتوجيه أجندته التشريعية.
تاريخيا، شهدت العلاقة بين ثون وترامب توتراً متزايداً منذ أن كان ترامب رئيساً للولايات المتحدة. ورغم أن ثون دعم ترامب في عدد من السياسات، مثل التخفيضات الضريبية الكبيرة التي أقرّتها إدارة ترامب الأولى، إلا أن خلافات كبيرة بينهما ظهرت، وخاصة في القضايا المتعلقة بالانتخابات والنزاهة الديمقراطية. كما كان جون ثون من بين أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين عارضوا مزاعم ترامب غير المدعومة بشأن تزوير الانتخابات في عام 2020، حيث اعتبر أن تلك الادعاءات غير واقعية ويمكن أن تضرّ بنزاهة النظام الانتخابي.
وفي تصريح له، قال ثون إن محاولات ترامب لقلب نتائج الانتخابات «ستنتهي كرصاصة تصطدم بجدار»، في إشارة إلى أن محاولات الطعن في النتائج لن تكون مجدية. وقد أثارت هذه التصريحات في وقتها غضب ترامب، الذي انتقد ثون ووصفه بأنه «جمهوري ضعيف».
ويتميز أسلوب السيناتور جون ثون الذي اختير رئيسا لمجلس الشيوخ بالاعتدال والتوجه نحو إيجاد حلول وسط، بينما يتبنى الرئيس المنتخب ترامب أسلوباً صدامياً و»شعبوياً» يعتمد على تأجيج قاعدته الشعبية المحافظة.
وفيما يعتبر ثون أن الحزب الجمهوري يجب أن يسعى إلى توسيع قاعدة الناخبين عبر تبني خطاب سياسي أكثر اعتدالاً لجذب المستقلين والجمهوريين المعتدلين، يرى ترامب أن الحزب يجب أن يبقى مخلصاً للقاعدة الشعبية التي دعمته بقوة، والتي ترفض «السياسة التقليدية» وتفضل نهج المواجهة.
كما أن السيناتور جون ثون كان يدعو إلى أن ينأى الحزب الجمهوري بنفسه عن تأثير ترامب، ويرى أن التركيز على سياسات الرئيس السابق قد يضر بفرص الحزب في المستقبل. وقد عبّر ثون عن قلقه من أن الولاء المطلق لترامب داخل الحزب يمكن أن يعيق بروز قادة جدد ويؤثر على وحدة الحزب. في المقابل، يسعى الرئيس ترامب إلى الحفاظ على نفوذه داخل الحزب، ويستمر في الضغط ضد الجمهوريين الذين يعارضونه، ما قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات.
ويختلف ثون وترامب أيضًا في بعض القضايا التشريعية والسياسات الاقتصادية. فثون يؤيد التقشف المالي ويرى ضرورة تقليل العجز الحكومي عبر التحكم في الإنفاق الفيدرالي، بينما يميل ترامب إلى دعم سياسات تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق على مشاريع البنية التحتية، دون التركيز الشديد على تخفيض الإنفاق الحكومي وقد أبدى ثون انتقادات ضمنية لبعض السياسات الاقتصادية لإدارة ترامب، معتبراً أن الحزب يجب أن يعيد النظر في أولوياته لضمان استدامة الاقتصاد.
استقطاب اصوات
ورغم أن ثون أكد بعد انتخابه زعيما لمجلس الشيوخ أن الجمهوريين سيعملون كفريق موحد إلا أن المراقبين يرون أن الخلاف بينه وبين الرئيس المنتخب سيلقي بظلاله على مستقبل الحزب الجمهوري، إذ يمثّل كل منهما تياراً مختلفاً داخل الحزب. فالسيناتور ثون يعكس توجه الجمهوريين المعتدلين الذين يؤمنون بأن الحزب يجب أن يتجه نحو خطاب أقل حدّة وأكثر توافقاً لاستقطاب أصوات الوسط والمستقلين. بينما يمثل ترامب التيار الشعبوي اليميني الذي يرى أن الحزب يجب أن يبقى محافظاً بشدة ويعتمد على دعم قاعدة انتخابية قوية ومتشددة.
ويتوقع المحللون استمرار الصراع الداخلي بين تيار ثون المعتدل وتيار ترامب الشعبوي، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولا يستبعدون أن يحاول ترامب التأثير على الحزب عبر دعم مرشحين في الانتخابات التمهيدية ضد الجمهوريين المعتدلين، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات داخل الحزب.
وفي حال استطاع ثون وقادة الحزب المعتدلون إعادة توجيه الحزب نحو سياسات أكثر توازناً، فقد يتمكن الحزب الجمهوري من استعادة جزء من الناخبين المستقلين والجمهوريين المعتدلين الذين انصرفوا خلال حقبة ترامب. لكن تحقيق هذا التوازن يتطلب جهداً كبيراً وقد يؤثر على وحدة الحزب.
وفي الختام سيظل مستقبل العلاقة بين جون ثون ودونالد ترامب مؤثراً على شكل الحزب الجمهوري، إذ يعكس خلافهما صراعاً أوسع حول الهوية والتوجهات داخل الحزب. وبينما يسعى ثون إلى استعادة نهج جمهوري تقليدي وأكثر اعتدالاً، يصر ترامب على الاحتفاظ بنفوذه وتشكيل الحزب وفق رؤيته الشعبوية.