نقطة ضوء
إنتباه رجاءاً
محمد صاحب سلطان
يبدو إنه مع تقدم العمر، لا يظل هنالك ما يدهشنا، هكذا كنت أعتقد، وبرغم ذلك أصبت بالدهشة العميقة، حتى نسيت التنفس وأنا أقرأ سطور رسالة بعثها إلي صديق أحد أبنائي، وفيها من الهموم ما دفع هذا الشاب المتوهج عنفوانا وأملا الى الاحباط والغضب، وهو يسرد لي ما أكتشفه في جولة قام بها الى محافظات الوسط والجنوب بحكم عمله الاعلامي.. يقول الشاب: أكثر ما أحزنني، هو الجهل المتعمد الذي ينوء به قطاع كبير من الأطفال والمراهقين والشباب، فهم من دون مدارس أو متسربين منها،ويمارسون أعمالا شتى إن حصلوا عليها ،وكثير منهم،يتسكعون في الطرقات والمقاهي والضجر سيد ردودهم!
والأغرب ،عندما إستفسرت من بعضهم، عن وضعهم العائلي والاجتماعي، تبين إن أغلبهم من عائلات متعلمة وآبائهم حاصلين على شهادات جامعية وبعضها عليا!، ولكن هكذا حالهم؟.. ويردف الشاب بعدة تساؤلات محزنة:لماذا يا عم، جيلكم وما قبلكم وما تلاكم، وبرغم كل الظروف القاسية التي واجهت أهاليكم وما حل الزمان بهم، حصلتم على التعليم من خلال إصرار آباؤكم وامهاتكم على تعليمكم ،بل وحتى على مراحل متقدمة منه، برغم فقرهم وأميتهم، في حين الآن عكس ذلك؟ لماذا كان الاهل، يفتخرون بتفوق أبنائهم دراسيا، و(يستقتلون) على اكمال مشوارهم حتى وان اقتطعت تكاليفه من ضرورات ملحة كالخبز والملبس، بالتأكيد هي (الماديات) وراء ذلك واللهاث خلف مغرياتها ,حتى بدا، ان بعض الاهالي ،هم من غمسوا حياة ابناءهم الحالية بالخطيئة بارتكابهم جريمة السماح بالتسرب من التعليم، كما إن افواج العاطلين من الخريجين والذين يرونهم كل يوم امامهم تأكلهم الحيرة ، تدفعهم للإحباط، في حين الجهات المسؤولة ما زالت تراوح في مكانها،عن إيجاد حلول جذرية لتلك المشكلة التي أضحت مستعصية في نظرهم،بينما هي قابلة للتفكك والتلاشي،إن توفرت الإرادة والنية الصادقة لمن بيده مقاليد الأمور، لا أن يعطي أبر تخدير أو مسكنات مؤقته كلما عاود الغضب حد الانفجار مجدداً.
فمتى تنتبه البيئة الحاضنة (الأسرة والدولة والمجتمع والإعلام)، وتبدأ بحملة توعية ومصارحة، لان بناء جيل الحاضر والمستقبل، لا يتم إلا من خلال الحلقات الأربع التي تؤطره ، فالتغيير يبدأ في صدق النوايا قبل أن يتجلى في العلن، والحياة الحقيقية توجد دائما في الكتب، والمرء إذا أراد الحياة عليه أن يتعلم.. كفانا هروبا من مشكلة باتت هماً ثقيلا على المجتمع، مما يتوجب علينا إعادة النظر في برامجنا وطرق تعليمنا وايجاد أماكن صالحة للتعلم.. ويا أهالينا إحذروا مارد الجهل،فهو لن يرضع أطفالكم شهد الحياة بل البؤس،، ويا إعلامنا،كن مع المجتمع وليس عليه وقم بالمهام المطلوبة منك في كشف الحقيقة وعدم السكوت على الخطيئة.. وأختم بتوجيه كلمة لمن يمثلون دور (قادة الرأي) في مجتمعنا:أين أنتم فيما نحن فيه من مأزق تعليمي، أين أصواتكم بشأنه، لو فقط (فالحين) بإن تقرقعوا آذاننا بما ليس فيه فائدة!.