الصحفي والرئيس ..ذاكرة وطنية إستثنائية
قاسم حسين صالح
البارحة..سهرت في قراءة كتاب (الصحفي والرئيس) الذي اهداني اياه الكاتب والصحفي احمد عبد المجيد حين زرته يوم (2024/10/20) في مكتبه بمبنى دار (الزمان).
ومع انني عملت في الصحافة نصف قرن(من زمن التآخي ،اتحاد الشعب، الجمهورية، مجلة الأذاعة والتلفزيون ،ألف باء،العرب....المدى، الزمان) فأنني لم التق بالأخ أحمد شخصيا، بل كنت اٌقرأ له ..وكان انطباعي عنه انه صحفي وكتاب جيد، وزادت متابعتي له حين بدأت اكتب في جريدة الزمان.ويوم اجتازت جريدة الزمان ،قبل اشهر، حاجز العدد 8000 كتبت مقالة بعنوان ( الزمان ..بين مؤسسها وحادي ركبها ) جاء فيها:(.. ما كنت اعرف ان حادي ركب (الزمان)، الدكتور احمد عبد المجيد ،هو خريج (كلية الفقه) في النجف. وما كنت اعرف انه ولد في عائلة لها اهتمامات صحفية، وأنه تتلمذ على يدي عمه (طارق الخفاجي) الذي كان يعمل مراسلا في العهدين الملكي والجمهوري وقريبا من مراكز القرار..التي فكت لغز ان يكون رئيس تحرير جريدة (الزمان) الدولية طبعة العراق كانت تلك الخبرات قد شكلت الأساس الذي اوصل الدكتور احمد الى ان يحجز مكانا مميزا بين الكبار من رجال الصحافة. وادركت أن احد اهم أسباب نجاح (الزمان) أن الدكتور احمد يمتلك خبرة ميدانية في الصحافة لاكثر من خمسين سنة، عرف من خلالها فنون العمل الصحفي، وعرف سيكولوجيا القاريء العراقي، ومراكز القرار والمخابرات والامن،وخفايا واسرار صحف رسمية وشعبية (الجمهورية ،الثورة، طريق الشعب، العراق، القادسية ،بابل…).. وأنه كان نائبا لنقيب الصحفيين جعلته يعرف الوسط الصحفي ونفسيات الصحفيين» الحسد، والنميمة والكيد…» . والأجمل ، انه عشق عمله لأنه وجد فيه انه يحقق احلامه، وان الصحافة تصنع من عاشقها نجما.. فكان!)
وكانت دهشتي الأجمل والأمتع عندما عرفت البارحة أن الدكتور احمد عبد المجيد هو ذاكرة وطنية استثنائية وثقها في كتابه ( الصحفي والرئيس) لأحد عشر رئيسا عراقيا ،بدأها بالزعيم عبد الكريم قاسم واصفا ما حدث خلال زيارته كربلاء عام 1962 (كاد المواطنون ان يرفعوا سيارته من على الأرض .. وكيف مر طيفه امامي عند مدخل فندق كربلاء السياحي الذي جاء ليفتتحه، وكنت اصفق بعفوية صبي عمره احد عشر سنة).. وظل طيف عبد الكريم قاسم راسخا في ذاكرته وقد طرق باب السبعين!.
نظام دكتاتوري
ويمر الدكتور أحمد على الرؤساء العشرة الآخرين ،وبينهم من التقاهم، انتهاءا برئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد. ومن جميل ما يذكر عن تعيين اول رئيس للجمهورية بعد الاطاحة بالنظام الدكتاتري، قوله بالنص :
(ومن التداعيات التي نجمت عن العملية السياسية الجديدة التي حكم فيها بول بريمر العراق ان يتبوأ شخص لم يكن في حسبان احد رئاسة جمهورية العراق. وبرغم زخم الحضور الاعلامي والصحفي في المناسبات التي رافقت ذلك ،فاني لم اصادف او اتجه لمقابلة هذا الرئيس ذو الكوفية والعقال الذي فضل انحداره القبلي على الكفاءة السياسية والعلمية التي يتمتع بها منافسه الدكتور عدنان الباججي. وان هذا الرئيس السادس الذي جاء بالصدفة وسوء حظ العراقيين ،لم يترك اثرا في نفس احد او ذكرا لدى احد سوى انه تزوج وزيرة البلديات والاسكان! ) ( ص 36).
لا اريد ان استمر كي لا تفقد الدهشة والمتعة والمفاجئات بصاحب هذا الكتاب الذي ما كان صحفيا فقط بكتابه هذا..بل كان سيكولوجيا ايضا في قرائته وتحليله لشخصيات الرؤساء ..وكان ( شيطانا!) في قرائتة للغة جسد كل رئيس التقاه!
ومن نباهة الدكتور احمد أنه اختار شخصية كوردية راقية ليكتب له بلغة عربية راقية واسلوب جميل برع في تقديم قراءة موجزة رائعة لمئتي صفحة..هو الصديق القاضي رزكار محمد امين بدأه هكذا:
( انه لمن دواعي سروري واعتزازي كتابة المقدمة لكتاب صديقي الدكتور احمد عبد المجيد الموسوم “الصحفي والرئيس”. وكان من الصعب عليّ، وصعب جدا عدم تلبية طلبه ، لا بل اعتبره امرا لا طلبا ، لأن الاخلاق العالية لهذا المثقف الوطني ، الصحفي البارع ، وادبه الجم ،واخلاصه لعمله الصحفي ، وامانته ، وتاريخه المهني العريق والمشرّف بدفاعه العنيد عن المصلحة العامة بقلم حريء.. يجعل من الطلب امرا والجواز وجوبا والسّنة فرضا).
بقي ان اقول.. ان هذا الكتاب ينبغي ان يكون في مكتبات مؤسسات الدولة والجامعات وفي بيت كل عراقي ..لأنه ذاكرة سياسية ثقافية اجتماعية وثقّت للتاريخ والأجيال ما حصل في سبعين سنة!
خالص التحايا لك ايها الراقي فكرا واخلاقا وسلوكا ، دكتور احمد عبد المجيد ، مع تهنئة معطرة برائحة العراق.