نقطة ضوء
الإعلام ورائق اللبن
محمد صاحب سلطان
رسخ في ذاكرتي مذ الطفولة،بيت شعر،حفظت كلماته من دون ان أفهم معناه ودلالته،لغرابته،ولكني كنت منبهرا بالصورة التي ولدها في ذهني وما تركت من خيال في ذاكرة طرية لا تقوى على التمييز بين الصالح والطالح وبين البرعم والبرغي!.
يقول الشاعر:
رأيت ذئبا يحلب نملة
ويشرب منها رائق اللبن
وعندما كبرت وامتهنت الصحافة والإعلام،تعرفت ولا سيما في السنوات الأخيرة ، على نماذج ممن تنطبق عليهم إمثولة هذا البيت!..إذ أضحى (الإعلام)،وتحديدا لدا بعضهم ،أشبه بالنملة التي تشرب منها الذئاب ،وهم يهيمنون على أدواته التي لا حول لها ولاقوة في الدفاع عن نفسها،من خلال لي اعناق الحقيقة وتحريف الوقائع ، وتحويله من أداة صادقة الى أداة تزييف ودعاية سمجة تؤثر سلبا على المتلقي كي تغير قناعاته نحو ما تريده جهات التمويل والتي تحرك الإعلام على وفق ما تشتهي أجندتها،من مهام وأغراض ، ثبت بالواقع الملموس ،إنها أغراض خبيثة، في حين أغلب دساتير الدول والشرائع الوضعية،اكدت بأن الإنسان يعد قيمة عليا،ومن أولى حقوقه،حق الاتصال وتدفق المعلومات وتقديم التسهيلات التي تسهم في تنظيم حياته،لكن الصحفي الأصيل في يومنا هذا، يشعر إن سلطته تبخرت كما تجف الرطوبة في التراب!،فمن ذا يحتاج الكلمات في حضور الموت الذي يتربص به؟.
وعلى الرغم من أهمية الإعلام كونه الوسيلة المؤثرة في تكوين المواقف المتعلقة بالصورة المشكلة للاحداث، لكننا نفتقد تلك الحالة للأسف في الكثير من وسائلنا الاعلامية،مما دفع قطاعات واسعة من الشعب ولا سيما الشباب،الى العزوف عنها،والبحث عن بدائل وفرتها التقنيات الحديثة لوسائل الاتصال،التي وجدت ضالتها المنشودة بكل نتاجها السلبي وما اكثره والايجابي وما اقله،من دون مراعاة لما تتركه من اثر اغترابي عن الواقع،،وهكذا أضحى الإعلام الموجه الينا،بدلا من ان يكون رمزا عصريا وحاجة حضارية كبرى لنا، أصبح اغلبه اليوم، أداة هدم وتخريب وتشتيت للقيم النبيلة والمعاني السامية وتكريس للانحلال والطائفية والفساد بشتى انواعه،وتمزيق للنسيج المجتمعي ،فضلا عن تفكيك اواصر وحدته من خلال الطرق التخريبي المتواصل الذي (يفك) اللحيم كما يقال!..لذا باتت الحاجة ملحة الى تنظيم ذلك الإعلام من خلال البدء بحصانة وصيانة ادواته البشرية اولا عن طريق الاعداد السليم لهم ،مهنيا واكاديميا ،مع اعتماد مواثيق ملزمة لمعايير المهنة الصحيحة، ونبذ الدخلاء الذين تسيدوا الساحة الاعلامية بنهيقهم ونعيقهم،ومن دون ذلك،تبقى الذئاب تشرب رائق اللبن!