كلام أبيض
بعقلية التكتك يُدار الطائر الأخضر
جليل وادي
بعيني رأيت، وبأذني سمعت، لا أحد نقلها لي، ولا قرأتها في جريدة، واذا استغربتم الأمر ولم تصدقوني، قوموا بزيارة المكان الذي سأتحدث عنه، لقد صدمتني الحالة قبلكم، ولم يكن أمامي سوى الضحك، ولكنه ضحك كالبكاء كما وصفه الشاعر والكاتب عبد الرحمن طهمازي في عنوان عموده الاسبوعي الثابت المنشور في جريدة النهضة اليومية في العام 2004، وتخيلوا كم هو مؤلم الضحك كالبكاء، ربما سيرد أحدكم : ولماذا الاستغراب يا رجل، هذه الحالة كحال المئات من الظواهر التي باتت تستعصي على الوصف، تأمل فيما حولك، وعند ذاك سيهون عندك الأمر، وقد تتوقف عن الكتابة عنه، بل وتجده نوعا من الترف قياسا بمستشفيات بلا أدوية، او تعليم بلا جودة، او شباب بلا عمل، او مئات الآلاف من الخريجين المبعثرة طاقاتهم سدى، او فرهود الأراضي الذي يمارسه المتنفذون، او الأرصفة التي احتلتها (البسطيات)، او استحواذ أصحاب المحال على ربع الشوارع المقابلة لهم، مستهينين بالمواطنين وغير متحسبين للجهات البلدية او الأمنية او المرورية التي تتخطى على مقربة منهم، يكفي.. يكفي، كل هذا نعرفه، قل ما عندك، هكذا ستقولون لي.
لن أطيل عليكم، فأضيف لآلامكم شيئا جديدا، فخلاصة ما انتهيت اليه في الحالة التي سأحدثكم عنها، ان الفساد يُبدع، ويبتكر من الفنون ما لا يخطر على بال، وان الفاسدين لديهم خيال خصب، وثري في فنونه، ومتنوع في أساليبه، لكن مجموعة أسئلة استوقفتني في الحالة التي صادفتني في مطار بغداد الدولي : هل ان ادارة المطار تدري بما يحدث، وهل جاء هذا الأجراء بتوجيه منها، ام انه يجري من خلف ظهرها؟، فان كانت تدري فتلك مصيبة، وان كانت لا تدري فالمصيبة أعظم كما تقول عبارتنا الجاهزة التي كثيرا ما نستعملها في التعبير عما يدهشنا، وفي الحالتين أظن انها غير مؤهلة لإدارة واحدة من أبرز واجهات البلد، وان كنا من البلدان الطاردة للسياح، وهذا موضوع آخر سيكون لي فيه حديث مطول.
ما علينا، أعود لما صدمني في مطارنا، فما أن وصلت باب المطار حتى عرض علّي أكثر من شاب بزي رسمي، فيما اذا كنت أرغب بأن يقدموا لي تسهيلات لإنجاز الاجراءات المتعلقة بدخول المطار، كتجاوز الدور (السرة)، وربما من بينها عدم اخضاع الحقائب للتفتيش، والحصول على مقعد جيد في الطائرة، وأهمها ألا تكون الى جانب جناحها او في المؤخرة، وكل ما يواجهك من مشكلات وصولا الى (كاونترات) منح التأشيرة (الفيزة).
لم أر او أسمع مثل هذه الاجراء في كل مطارات العالم، بما في ذلك مطارات الدول المتخلفة، مَنْ وجه بهذا الاجراء؟، واذا كان بلا توجيه، هل يُعقل ان ادارة المطار لا تعلم به، وهل هو اجراء صحيح، وهل له ما يماثله في العالم؟.
رأيت الكثير من الأمور غير الطبيعية في المطار، وربما الحديث عنها سيزعج الجهات المسؤولة عن ادارة الطائر الأخضر الذي لطالما تباهينا به في عقود ماضية بحصوله على الكثير من جوائز التمّيز، أتمنى ألا يُدار الطائر الأخضر بعقلية التكتك.
هل يُعقل أن يتكدس موظفو الخدمة من الجنسيات الأجنبية بأعداد تكاد تقترب من ربع أعداد المسافرين القادمين يعرضون خدماتهم لحمل الحقائب بالعربات وصولا الى سيارات الأجرة، وهل من الطبيعي أن يدخل سواق سيارات الأجرة الى صالات المطار، محاصرين المسافرين، كل يريد أن يستحوذ عليهم. لا أريد أن أقارن ما يجري في مطارنا بغيره من المطارات، فليس هناك وجه للمقارنة على الاطلاق، والسؤال : اذا كانت هذه هي حال مطار العاصمة، فكيف هو وضع مطارات المحافظات، وهل ذهبت توجيهات السيد رئيس الوزراء السوداني أدراج الرياح ؟.
jwhj1963@yahoo.com