سلطةُ محكمة التمييز في تقرير الحكم المعدوم (1-2)
حسن الياسري
لا يخفى على أي متابعٍ مدى الدور الكبير الذي نهضت به محكمة التمييز أو النقض في كل دول العالم، فبالإضافة إلى كونها قمة الهرم القضائي الذي يمارس الرقابة وتصحيح الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم الدنيا، فإنها أسهمت إسهاماتٍ كبيرةً جداً لا تكاد تحصى في أحكامٍ وقراراتٍ كانت بمثابة السوابق القضائية التي يُرجع إليها من قبل المحاكم الأخرى من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى مثَّلت معالم قانونيةً وفقهاً قانونياً متميزاً قلَّ نظيره، حتى غدا منهلاً للفقهاء والباحثين.فلم يكن بوسع المشرِّعين في دول العالم سوى الإقرار بهذه الحقيقة، فاعتُرفَ لها بأنَّ أحكامها وقراراتها باتت مصادر للقانون -غير رسمية-، ترجع المحاكم إليها في النزاع المثار أمامها لتستأنس بتفسيراتها المهمة للقانون.كما أنَّ السلطة التشريعية الجادة هي التي تهتمُّ بقرارات هذه المحكمة وتستنيرُ بها كمعالم طريقٍ في العملية التشريعية، سنَّاً وتعديلاً.
قضاء دستوري
ولعلَّ من نافلة القول إنَّ قيمة وأهمية محكمة التمييز تزدادُ في دول العالم التي لا يوجد فيها قضاءٌ دستوريٌّ، فلقد امتلكت الشجاعة في تلك الدول للتصدي بين الفينة والأخرى والحلول محل القضاء الدستوري، فأوجدت بقراراتٍ تأريخيةٍ شجاعةٍ ما يُعرف في الفقه الدستوري بـ (رقابة الامتناع)، وذلك حينما امتنعت من تلقاء ذاتها، دون أنْ تحتاج إلى نصوصٍ دستوريةٍ صريحةٍ، من تطبيق بعض النصوص القانونية؛ لكونها مخالفةً للدستور.ثم ازدادت أهميتها وأُرسي كيانها بعد أنْ أصبحت تضمُّ في صفوفها خيرة القضاة في الدولة المعنية؛ حتى كوَّنت مسرحاً قضائياً لا يدخله إلاّ المبدعون.
وإنَّ وجه الحق أنَّ ما سلف بيانه لَينطبقُ على محكمة التميز في العراق، فهي صاحبة التأريخ والمجد القضائي الذي مرَّ على ساحتهِ كبار القضاة في العراق.وأصدرت ما لا يُحصى من قراراتٍ أقلّ ما توصف به بأنها مؤلَّفٌ قانونيٌ لفقيهٍ متميزٍ.
حينما أصدرت محكمة التمييز العراقية قرارها الشهير قبل بضعة أشهر حول إعدام قرار المحكمة الاتحادية العليا المتعلق بإحالة بعض القضاة إلى التقاعد، شعر الكثيرون بالقلق من حدوث أزمةٍ قضائيةٍ كبيرة،ولا سيما أنَّ طرفي هذه الأزمة يعدان أكبر محكمتين في العراق، فإنَّ طرفها الأول يتمثل بالهيئة القضائية العليا في القضاء العادي -العدلي بحسب بعض مسميات الدول-، وهي محكمة التمييز، والثاني يتمثل بالمحكمة الاتحادية العليا التي تعدُّ الهيئة العليا في القضاء الدستوري.ثم إنَّ القلق ازداد حينما خشي البعض من تكرار هذه السابقة؛ ما يعني بالمحصِّلة عدم الاعتراف بقرارات المحكمة الدستورية -المحكمة الاتحادية العليا-، وهو ما يترتب عليه سقوط هذه المحكمة من الاعتبار أولاً، فسقوط الدستور تالياً ؛ لكونه حدَّد اختصاصاتها وحدود سلطاتها بنصوصٍ صريحة، ونصَّ على أنَّ قراراتها باتةٌ وملزمةٌ للسلطات كافة، وأنْ لا سلطان عليها إلاّ للدستور.
بيد أنَّ حنكة محكمة التمييز ومجدها القضائي وتأريخها العتيد أبى إلا أنْ يضع الأمور في نصابها؛ فهي أحرصُ من غيرها على احترام القضاء الدستوري،كيف لا وهي التي أرست دعائم القضاء في العراق منذ عشرات السنين يوم لم يكن في العراق ثمة قضاءٌ دستوريٌ. ولذا أصدرت قراراً آخر أزال ما علق في الأذهان من لبس، وأوضح ما أُبهم، وأجلى الظلمة، وكشف الغمة.إذْ قضت أنَّ قرارها الآنف بانعدام قرار المحكمة الاتحادية العليا إنما كان استثناءً وخاصاً ومتعلقاً بحيثياتٍ محدَّدةٍ لا يُقاس عليه غيره.ولكون الكثيرين قد لا يحيطون بحيثيات هذين القرارين، فسأتطرق إليهما باقتضابٍ :
لقد قدَّم أحد القضاة طلباً إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى يطلب فيه إحالته إلى التقاعد على وفق المادة (35/رابعاً/أ/4) من قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014، والتي تنص على الآتي :
((أ-يستحق القاضي وعضو الادعاء العام أو خلفه راتباً تقاعدياً بمقدار (80 بالمئة) ثمانين من المائة من آخر راتب ومخصصات تقاضاها في الخدمة عند إحالته إلى التقاعد (على أن لا تتجاوز المخصصات ال 150 بالمئة من الراتب الوظيفي) في إحدى الحالات الآتية :
4- إذا أحيل الى التقاعد بناءً على طلبه وكانت له خدمة في القضاء أو في الادعاء العام لا تقل عن (30) سنة)).
ولكون المومأ إليه لديه خدمة تزيد عن (30) سنةً، فقد تقدَّم بهذا الطلب، بيد أنَّ طلبه رُفض لكون خدمته موزعةً بين عمل المحاماة والوظيفة القضائية، وليست وظيفةً قضائيةً فعليةً بحتةً كما نصت المادة المذكورة آنفاً.فقام بعد ذلك بتقديم طعنٍ إلى لجنة شؤون القضاة وأعضاء الادعاء العام مستنداً إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا (102/اتحادية/2024) الذي قضى بعدم دستورية عبارة (في القضاء أو في الادعاء العام) الواردة في النص المشار إليه فيما سلف، ليُقرأ النص القانوني (30/رابعاً/أ/4) من قانون التقاعد بحسب قرار الاتحادية كما يأتي : ((وكانت له خدمة لا تقل عن (30) سنة)). فرفضت لجنة شؤون القضاة وأعضاء الادعاء العام الطعن وأيَّدت قرار الرفض الصادر عن رئيس المجلس.فقام المدعي بالطعن بهذا القرار تمييزاً، فقضت الهيئة العامة في محكمة التمييز برد الطعن وتصديق الحكم المميَّز، مستندةً في ذلك إلى النص الصريح الوارد في قانون التقاعد المشار إليه آنفاً، وحاكمةً بإعدام قرار المحكمة الاتحادية العليا المذكور سلفاً.
وبالنظر لأهمية قرار محكمة التمييز القصوى فسأحاول بيان ماهية (الحكم المعدوم) ؛ كي يتضح المعنى.
من المعروف أنَّ الحكم القضائي حينما يصدر فإنه يظل قائماً ومرتباً آثاره، وأهمها حجيَّة الأمر المقضي به، ما لم يتم إلغاؤه بإحدى طرق الطعن المقررة قانوناً، فإذا استنفد الحكم طرق الطعن صار باتاً ونهائياً وحاز الحجيَّة وامتُنع المساس به؛ وذلك حفاظاً على استقرار المعاملات واحتراماً للمراكز القانونية.بيد أنَّ هذا الحكم إنْ كان مشوباً بعيبٍ يتعلق بكيانه ووجوده، ما يجعله هو والعدم سواء، فإنَّ إعمال القاعدة المتقدمة يصطدم مع قواعد العدالة التي هي غاية القانون؛ من هنا يجوز الحكم عليه بـ (الإعدام -الانعدام-).
والمعدوم في اللغة هو المفقود وما ليس بموجودٍ ؛ وعليه يعدُّ القول بأنَّ الحكم القضائي (معدوم) قولاً بعدم وجودهِ من الأساس بحسب اللغة.
وتتلخص فكرة الانعدام من الناحية القانونية في أنَّ الحكم أو العمل القانوني عموماً يشوبه عيبٌ جوهريٌ أو خللٌ جسيمٌ من شأنه أنْ لا يمس شروط صحته فحسب بل يمتد إلى وجوده وكيانه فيؤدي إلى انعدامه، انعداماً مادياً أو قانونياً، ومن ثم فهو حكمٌ لا يُرتب آثاره القانونية؛ لأنه غير موجودٍ بحسب طبيعته.وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض المصرية بالآتي : (..إن كان الأصل عدم جواز اهدار حجيَّة الأحكام إلا بطريق التظلم منه بطرق الطعن المناسبة تقديراً لتلك الحجيَّة إلا أنه يستثني من هذا الأصل حالة تجرد الحكم من أركانه الأساسية بحيث يشوبه عيب جوهري جسيم يصيب كيانه ويفقده صفته كحكم ويحول دون اعتباره موجوداً منذ صدوره، فلا يستنفد القاضي بذلك سلطته ولا يرتب الحكم حجية الأمر المقضي ولا يرد عليه التصحيح).
وعلى الرغم من عدم النص على (الحكم المعدوم) في القانون، فإنَّ الفقه تبنَّاه، والقضاء أقرَّه، سواءً القضاء العادي أو الإداري.وتستند نظرية (الحكم المعدوم) إلى فكرةٍ عقليةٍ منطقية، إذْ يُثار الحديث عن صحة الحكم أو بطلانه فيما لو كان موجوداً، أما إذا كان غير موجودٍ أساساً فإنه لا يسوغ عقلياً ومنطقياً أنْ نطلق أحد هذين التكييفين عليه -الصحة والبطلان-، بل الصحيح في هذه الحالة القول بأنَّ الحكم (منعدم).وإذا أردنا التيسير قلنا إنَّ الحكم أو العمل القانوني هو بمثابة الكائن الحي، وإذْ يتعذَّر من الناحية العقلية وصف الشخص الطبيعي بالصحة أو المرض إلا إنْ كان حياً، فإنْ كان ميتاً فقد انتفى الوصف ولم يعد له محل، فكذا لا يمكن وصف الحكم أو العمل القانوني بالصحة أو البطلان إلا إنْ كان موجوداً.ومن هذه الفكرة العقلية المنطقية البسيطة نشأت التفرقة بين العناصر اللازمة لوجود الحكم والعمل القانوني من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى العناصر اللازمة لإنتاج آثاره القانونية،أي لصحته.وإنَّ انتفاء الأولى يفضي إلى انعدامهِ، في حين إنَّ انتفاء الثانية يؤدي إلى بطلانهِ. وهذا هو الفرق بين الانعدام والبطلان بكلمةٍ موجزةٍ. وبهذا الوصف يسعنا القول إنَّ (الحكم المعدوم) أو (الانعدام بصورةٍ عامةٍ) لا يستلزم نصاً قانونياً لتقريرهِ، بخلاف البطلان الذي تسري عليه قاعدة (لا بطلان بدون نص).كما أنَّ (المعدوم) ليس بحاجةٍ إلى من يعدمه؛ لأنَّ المحكمة التي تحكم بالانعدام إنما تقرِّر الواقع،ولا تقرِّر الانعدام من عندها، بمعنى أنها تكشف الانعدام لا تنشئه.كما لا تستطيع الإرادة ولا التقادم أن يصحِّحا المعدوم.ويستوي في ذلك كله أن يكون الانعدام كلياً يصيب الحكم برمته، أو جزئياً يصيب بعض فقراته.
مقومات وجود
ويتجلى من ذلك أنَّ الحكم المعدوم ليس حكماً على الإطلاق، ولا تتوفر فيه مقوِّمات وجوده، فهو حكمٌ لا وجود له؛ ومن ثم يغدو صحيحاً تسمية الحكم المعدوم بـ (الحكم الميت)، وأصحُّ منه بتقديري تسميته بـ (اللاحكم)؛ ذلك أنَّ عواراً جوهرياً قد شابه وعيباً جسيماً قد أصابه، فأفقده كل قيمةٍ له في نظر القانون، أي جرَّده من مدلول الحكم.فلا تلحقه بعد ذلك حصانةٌ، ولا يزول انعدامه بفوات ميعاد الطعن، فهو والعدم سواءٌ، والعدم لا يقوَّم، لأنه ساقطٌ، والساقط لا يعود.
وفي هذا السياق قضت محكمة النقض المصرية في أحد قراراتها بأنَّ :(ثبوت وفاة الخصم المحكوم عليه قبل رفع الدعوى يكشف عن تخلف الركن الشخصي في الخصومة وهو ما يعد عيباً جسيماً يرتب انعدام الحكم).
وغنيٌ عن البيان أنَّ جسامة العيب التي تصيب الحكم فتجعله معدوماً لَتجدُ صداها أيضاً في القضاء الإداري، إذْ يميز الفقه بين القرار الإداري المعيب والقرار الإداري المعدوم بناءً على جسامة عيب عدم المشروعية.فالقرار يعدُّ معدوماً إذا بلغت عدم مشروعيته حدَّاً من الجسامة بحيث يفقد صفة القرار الإداري، ويجعله مجرد عملٍ مادي، في حين يكون معيباً إذا لم تبلغ مخالفة المشروعية هذا الحد؛ وبناءً على ما سلف يكون القرار معدوماً إنْ كان مشوباً بعيب عدم الاختصاص الجسيم، أي اغتصاب السلطة،كما لو كان صادراً عن موظفٍ مغتصبٍ للسلطة، أو لا يتَّصف بصفة الموظف العمومي، أو اقتحام القرار ساحة السلطتين التشريعية والقضائية والدخول في حدود اختصاصاتهما.وفي هذا السياق أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة في العراق بعض القرارات التي تؤكد هذا المعنى، ومنها القرار (884 في 22/5/2024).
فقد طلب المميِّز -مدير عام دائرة صحة الديوانية- إلغاء بعض الأوامر والقرارات الصادرة عن محافظ الديوانية لكونها تتجاوز حدود اختصاصاته، إذْ تدخَّل في حدود اختصاص وصلاحيات وزير الصحة ومدير عام دائرة صحة الديوانية، خلافاً لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 الذي أبقى عمل دوائر الصحة خاضعاً لوزارة الصحة ودوائرها الفرعية وليس للمحافظات.ولقد قضت محكمة القضاء الإداري في البدء برد الطعن شكلاً لعدم التزام المدعي بالإجراءات القانونية للطعن أمام المحكمة ومنها تقديم التظلم وفقاً للقانون. لكن المحكمة الإدارية العليا نقضت قرار الأولى؛ لكون الطعن تعلق بقرارٍ معدوم؛ والمعدوم لا يزيل انعدامه بمجرد فوات ميعاد الطعن أو عدم مراعاة بعض إجراءات الطعن.ومما ورد في قرار المحكمة الإدارية العليا في هذا الصدد ما يأتي :
(وحيث ان عيب عدم الاختصاص الجسيم أو اغتصاب السلطة يكون من أثره فقدان القرار لصفته وطبيعته الإدارية فلا يعد باطلاً وقابلاً للإلغاء فحسب وإنما يعد القرار معدوماً لا تلحقه أية حصانة ولا يزيل انعدامه فوات ميعاد الطعن فيه ولا يتقيد الطعن فيه بشرط الميعاد واجراءات الطعن الأخرى، إذ يمكن سحبه وإلغاءه بعد انتهاء الميعاد المحدد للطعن فهو لا يرتب أي أثر قانوني.ومن هنا القضاء الإداري مستقر على قبول الطعن ضد القرار الإداري المعدوم لا لمجرد إلغاءه وإنما لإزالة الشبهة المتعلقة بمشروعيته.وحيث ان محكمة القضاء الإداري أصدرت حكمها المميز دون مراعاة ما تقدم مما أخل بصحته، لذا تقرر نقضه..).
وفي قرارٍ آخر(304 في 18/4/2019) قضت محكمة القضاء الإداري بقبول طعن أحد ضباط قوى الأمن الداخلي الذي يطلب فيه نقض قرار القائد العام للقوات المسلحة بإحالته إلى التقاعد قبل بلوغه السن القانونية بدعوى أنه زيادة على الملاك، إذ قضت المحكمة بنقض القرار مستندةً إلى كونه قراراً معدوماً خارج اختصاص الجهة التي أصدرته.وعند تمييز القرار قضت المحكمة الإدارية العليا بنقض قرار محكمة القضاء الإداري؛ لأنَّ قرار الإحالة إلى التقاعد ليس قراراً معدوماً بالمعنى القانوني.ومما ورد في قرارها بهذا الشأن ما يأتي :
قرار احالة
(كما أن ما ذهبت اليه المحكمة من كون قرار إحالة المدعي قبل بلوغه السن القانوني قرار معدوم فهو اجتهاد خاطئ وغير صحيح لمفهوم القرار الإداري المعدوم كون القرار الإداري المعدوم لعدم الاختصاص هو القرار الصادر من جهة غير مختصة باتخاذ هذا القرار بتاتاً واغتصب اختصاص سلطة أخرى، وهي أمور لا يمكن أن يتصف بها المدعى عليه -يقصد القرار بذلك رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة- كونه صاحب الاختصاص في تعيين ضباط قوى الأمن الداخلي وانهاء خدماتهم..)
وتأسيساً على ما تقدَّم من معطياتٍ يمكن أنْ نستشف النتائج الآتية :
1- إنَّ الحكم المعدوم هو ما فقد أحد أركان وجودهِ بحيث يفقد صفته كحكم، أو يعتريه عيبٌ جوهريٌ أو يشوبه خللٌ جسيمٌ يصيب كيانه فيفقده صفته كحكمٍ.
2- ومن ثمَّ يضحى هذا الحكم عدمٌ، وهو والموت سواءٌ؛ فلا يُرتِّب أيَّ أثرٍ قانوني.
3- لا يحتاج هذا الحكم إلى تنظيمٍ قانوني، بخلاف البطلان؛ لأنه تقريرٌ للواقع لا أكثر.
4- لا يتحوَّل الحكم المعدوم إلى حكمٍ صحيحٍ مطلقاً، لا بالإرادة ولا بالتقادم؛ لأنه غير موجودٍ أساساً.
5- لا يتحصَّن الحكم المعدوم ولا يتمتع بحجيَّة الأمر المقضي به؛ ومن ثمَّ لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أنْ يكون عنواناً للحقيقة، فتلك صفةٌ لا يتمتع بها إلاّ الحكم القضائي، والمعدوم ليس بحكمٍ أساساً.
6- يجوز التمسك بانعدام هذا الحكم من كل ذي مصلحةٍ، وللمحكمة أنْ تقرِّر انعدام الحكم من تلقاء نفسها حتى وإنْ لم يُثَر من قبل الخصوم.
7- وفي سياق ما ورد في الفقرة(6) أعلاه، لا يحتاج الحكم المعدوم إلى صدور حكمٍ قضائي لتقرير انعدامه، فالمعدوم لا يحتاج إلى من يعدمه، فهو ميتٌ وغير موجودٍ في الواقع والمنطق والقانون.نعم لا يعدو تقرير القضاء انعدامه عن كونه كاشفاً لتلك الحقيقة، لا منشئاً لها.
وللحديث تتمة في الجزء الثاني إنْ شاء الله.